إضراب بيومين وتلويح بإضراب إداري وربّما سنة دراسيّة بيضاء في الأفق نتيجة “تعطّل المفاوضات” بين و حول قائمة تضمّ أحد عشر مطلبا تحكمها مفارقة غريبة تتمثّل في المطالبة بالزيادة في قيمة بعض المنح كالترفيع في القيمة المالية للترقيات المهنيّة أو في منحة المستلزمات المدرسيّة إلى جانب المطالبة بالتخفيض في ساعات العمل والتخفيض في سن التقاعد دون اعتبار للظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد، أو للمخاطر التي تتهدّدها أو للإمكانيّات المتواضعة المتوفّرة لديها أو لحالة الصناديق الاجتماعيّة المتردّية أو للزيادة في الأجر التي تمتّع بها الأساتذة أخيرا والتي شملت كافّة العاملين في الوظيفة العموميّة، ودون اعتبار للمجهودات التي تبذلها الحكومة لتلبية مطالب العاطلين عن العمل خاصّة منهم أصحاب الشهادات العليا، ودون اعتبار لنبل المهنة وأبعادها التربويّة والأخلاقيّة التي جعلت أمير الشعراء أحمد شوقي يقول فيها: “قف للمعّلم ووفّه التبجيل كاد المعلّم أن يكون رسولا”.
لقد بدا وكأن سقف المطالب يتمّ تحديده على ضوء ما تحصّل عليه هذا القطاع أو تلك المؤسّسة بحيث يأخذ الأمر صيغة تنافسيّة تعتمد المزايدات التي لها أول وليس لها آخر ما يوحي بأن الحكومة أدخلت في متاهة ووقعت في فخّ يصعب الخلاص منه مهما فعلت وذلك بتخلّيها عن مبدأ التفاوض الشامل على الأجور الذي كان معمولا به من قبل والذي كان يستثني أي تفاوض له انعكاس مالي خارج الموعد المحدّد لإجراء المفاوضات الاجتماعيّة العاديّة. ولسائل أن يسأل: ما هي الرسائل التي يبعث بها المربّون إلى شبابنا بالأساس وبأي منطق يحتجّون؟؟ هل هو منطق الغنيمة والأنانيّة الذي يستبطن مقولة لويس 16 الشهيرة: “أنا وبعدي الطوفان” أم أن ما يبرّر هذا التصعيد الممنهج لا يعدو أن يكون حسابات حزبيّة ضيّقة تحاول في غياب الوعي وضعف الوازع الأخلاقي والوطني فرض بديل مجزّء عن الإضراب العام الوطني الذي تمّ إلغاؤه؟
إن في ما أبدته الحكومة ومن ورائها الادارة من استعداد للتنازل والتخلّي تدريجيّا عن مواقفها المتصلّبة كلّما ازداد الضغط عليها ما أغرى عديد النقابات باعتماد التصعيد والهرسلة لتحقيق كافة مطالبها حتّى شاع بين الأساتذة أن المندوبيّات الجهويّة أصبحت تأتمر بأوامر النقابة. والأمثلة على استضعاف الحكومة لا تقتصر على المجال النقابي وإنّما تتجاوزه لتشمل فضاء أوسع ويبرهن عليه على سبيل المثال ما شهدته قائمة شهداء الثورة وجرحاها التي كانت في أوّل الأمر مقيّدة بفترة الزمنيّة الفاصلة بين 17 ديسمبر 2010 و 4 جانفي 2011 ثمّ وعلى إثر التحرّكات الاحتجاجيّة وتهديدات محترفي التحريض تمّ سحب امتيازات هذه المجموعة على شهداء وجرحى الحوض المنجمي الأمر الذي شجّع بعد ذلك أهالي من حوكموا سنة 1962 في القضيّة المتعلّقة بمحاولة الانقلاب على رفع شعار المطالبة بردّ الاعتبار لذويهم وضمّهم لقائمة شهداء وضحايا الثورة. وقد يكون الاسلاميّون المعتصمون بالقصبة والمطالبون بتفعيل العفو التشريعي العام منذ ما يناهز السنتيّن استوعبوا الدرس فقرّروا الاعتصام في العراء ليلا ونهارا على أمل أن يحضوا ببعض حقوقهم التي أصبحت لدى البعض موضوعا للتندّر والاستهزاء حتّى قال قائلهم: “بكم كيلو النضال؟ وهل سوف يعامل هؤلاء كغيرهم أو سيضلون مكسر عصا حتّى من طرف حكومة تنسب إليهم؟
محمد البوخاري