أعلن حزب العمال الشيوعي سابقا عن انطلاق حملة الغلا والكوا التي ستكون محور تحركات ميدانية مكثفة سيقوم بها انصاره خلال الايام القادمة، ولكن توقيت الحملة وظروفها يطرح تساؤلات عميقة عن الاهداف الحقيقية من ورائها.
الحملة كما اعلنها السيد الجيلاني الهمامي الناطق الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي سابقا تتضمن توزيع مليون ونصف مطوية في كامل ولايات الجمهورية في اطار حملة تحسيسية تهتم بغلاء الاسعار وتطالب بتجميدها لمدة ثلاث سنوات، وقد طرح الحزب جملة من الحلول للتصدي لظاهرة الغلاء المستمرة تتمثل في الغاء ديون الفلاحين وادخال تعديلات تنظم قطاع الصيد البحري اضافة الى مقاومة شبكات التهريب والاحتكار واكد على ان مناضلي الحزب سيلجؤون الى كافة الاشكال النضالية من اجل ارغام الحكومة على مراجعة خياراتها الاقتصادية.
هذه الحملة لها منطلقات ونتائج كثيرة، اولها انها ليست من ابتكار الحزب فمسألة مكافحة ارتفاع الاسعار ومحاربة الاحتكار والتهريب كانت ضمن البرنامج الذي وضعته حكومة السيد علي العريض وحددته كأولوية في المرحلة المقبلة وليست بالتالي غائبة عن تصور الاطراف الماسكة بزمام الامور وثانيها ان هذا الموضوع بالذات تم قطع خطوات معقولة في انجازه وينتظر ان تؤتي اكلها قريبا خصوصا مع اقتراب الوصول الى موسم الوفرة الانتاجية بما ينعكس ايجابا على الاسعار وبالتالي فليس هذا مجالا للمزايدة وان تحققت نتائج في شأنه فلن تصب الا في رصيد الحكومة ولا علاقة لأي حملة في ذلك.
وثالثها ان حزب العمال قد شرع مبكرا في حملته الانتخابية محاولا مغازلة الناخبين انطلاقا من تبنيه لموضوع حساس يعرف ان الجميع معني به ولكنه نسي ان الطريق الى الانتخابات مازالت بعيدة وتتطلب توحيدا للخطاب حول اهم القضايا التي تشغل بال التونسيين وليست مسألة ارتفاع الاسعار افضلها.
ورابعها وهي الاهم ان هذه الحملة تخفي وراءها امورا اخرى تتعلق بعلاقة حزب العمال ببقية مكونات الجبهة الشعبية اذ لاحظ عديد المتابعين لخطابه ان تفاعله مع قضية اغتيال المناضل شكري بلعيد لم تكن بالحجم المطلوب وظهر عليها التردد حينا والتعميم احيانا اخرى ورغم محاولات السيد حمة الهمامي ان يظهر في ثوب المدافع والمطالب بكشف الحقيقة فان حالة البرود في خطابه لم تقنع خاصة انصار حركة الوطنيين الديمقراطيين.
العارفون بأسرار العلاقة داخل الجبهة الشعبية يجزمون بانه لو لم يكن هناك استحقاق انتخابي قريب لكان الكلام غير الكلام بالنسبة لجميع الاطراف، ولكن تلك هي احكام السياسة.
حزب العمال اراد ان يصنع برنامجا أخر يشغل به مناضليه ويبعدهم عن التمركز حول موضوع اغتيال شكري بلعيد حتى يتسنى التعريف بمبادئه وافكاره ويقترب من نشر ادبياته خلال تحركاته التي يعتزم القيام بها باعتبار فرصة ايصالها للناس مناسبة في الوقت الراهن ويجب استثمارها على احسن وجه.
الهدف مشروع وتحقيقه ممكن ولكنه قد يعصف بالثقة التي يفترض توفرها لانجاح اي تحالف سواء بعيد الاهداف او قريبها وستكون الأيام القادمة وخاصة منها ما تعلق بالتحالفات الانتخابية مليئة بالتفاصيل والدقائق التي ستحدد مستقبل حزب العمال والجبهة الشعبية على السواء.