قامت الحكومة الانتقالية برئاسة السيد الباجي قايد السبسي بعد الثورة التونسية وبالتحديد يوم 24 أكتوبر بينما كان التونسيون في غفلة من أمرهم، بسحب جميع تحفظاتها على معاهدة «سيداو» أو ما يسمى بمعاهدة إلغاء التمييز ضد المرأة. وتعتبر تونس الدولة العربية الأولى التي تتخذ هذا الموقف. وما يثير الاستغراب هو التكتّم المطلق حول هذا القرار الذي اتخذ في مجلس وزاري، أحيط بتعتيم إعلامي تامّ. ولم يقع التفطّن لهذه المسألة إلا حين اتصلت ناشطات في مجال حقوق المرأة بوكالة الأنباء الفرنسية وتم إعلامهن بقرار سحب تونس لتحفظاتها حول بنود الاتفاقية.
هذه الخطوة لم يتجرأ نظام بورقيبة ولا بن علي على القيام بها طوال الثلاثين سنة الماضية بسبب تعارضها مع ثقافة المجتمع التونسي وهويته العربية الإسلامية وتعارضها مع الفصل الأول من الدستور، علما وأن هذا القرار وقع اتخاذه تحت ضغط بعض الجمعيات النسوية التونسية التي قامت بالتظاهر في ساحة الحكومة بالقصبة يوم 16 أوت 2011، ومرّرت مشروعها إلى وزيرة المرأة التي سرعان ما تبنته وعرضته على حكومة السبسي التي أقرّته.
وحسب بعض التسريبات عن الجلسة حينها فقد كان الوحيد الذي عارض القرار هو وزير الشؤون الدينية في حكومة الباجي قايد السبسي السيد العروسي الميزوري وتحفّظ وزير العدل عليه، أمّا بقية الوزراء فقد وافقوا بدون أي اعتراض.
ولأنّ المصادقة على الاتفاقيات الدولية من طرف الدول لا تكون في الأصل إلّا عن طريق مجالسها التشريعية المنتخبة، ولأنّ الفصلين 15 و16 اللذان رفعا عنهما التحفّظ يثيران جدلا واسعا لتعارضهما مع روح الفصل الأوّل من الدستور، لا بدّ أن نقف هنا عند جملة من التساؤلات. هل كان من صلاحيات حكومة الباجي قايد السبسي والمبزع حينها إبرام هذه الاتفاقية والحال أنّها مؤقتة ولا تحظى بأية تمثيلية، وهذا يطرح مدى قانونية هذا الإجراء من عدمه؟ ثمّ ما الحلّ إذا ثبت قانونية هذا الإجراء والحال أنّ بنود هذه الاتفاقية تتعارض مع البند الأوّل من الدستور علما وأنّ المصادقة عليها يجعلها ملزمة حتّى ولو تعارضت مع القوانين المحليّة؟
قد يحمد لهذه الاتفاقيات عملها على حماية الحقوق الإنسانية وعلى كفالة تطوّر المرأة وتقدّمها، وضمان القضاء على جميع التحيّزات الذكورية القائمة على فكرة دونية المرأة (المادة الخامسة والسادسة). كما يحمد لهذه الاتفاقية التنصيص على حقّ النساء في ممارسة حقهن السياسي ترشيحا وانتخابا والمشاركة في صياغة السياسات الحكومية (المادة السابعة). لكنّ هذه الاتفاقية لم تترك مكانا لقيم ومعايير ومرجعيات الحضارات الأخرى المختلفة عن الحضارة الغربية واعتبرت أنّها يمكن أن تكون بديلا للأديان والمعتقدات والثقافات المختلفة عنها.
لذلك تحفظت دول إسلامية عديدة على اتفاقية «سيداو» ومنها تونس لتعارض بعض موادها مع الشريعة الإسلامية، وانعكاساتها على التشريعات المتعلقة بالأحوال الشخصية ومؤسسة الأسرة، خاصة أن هذه الاتفاقية تقوم على أساس إحداث تغيير جذري لمفهوم الأسرة. ومن بين هذه المواد 9 و 15 و16.
تأويل هذه النصوص القانونية وما تقود إليه من إلزامات، ورفع الدولة التونسية التحفّظ عنها أثار جدلا واسعا داخل الأوساط النخبوية بين مدين لرفع التخفّظات وبين مدافع عنها ومستميت من أجل تثبيتها على أمل أن «يرتقي المجتمع التونسي بوعيه وبثقافته ليستسيغها ويهضمها.