علي بن سالم ليس شيخ المناضلين وبورقيبة أفسد تديّن المجتمع ـ ما تداوله الناس ان الحركة التصحيحية التي قادها الشيخ الرّحموني ورفاقه في مجموعة لزهر الشّرايطي سنة 1962 هي اوّل مظاهر الرفض لنظام بورقيبة. ولكن التاريخ صمت عن الشّيخ عبد الفتاح ثابت ورفاقه سنة 1957 وهم أول الرافضين لبورقيبة لأنه في نظرهم من الذين انقلبوا على مفاوضات الاستقلال ونسب كل النضال إلى نفسه مستوليا على التاريخ. في سياسة لا مكان فيها للضّعفاء وفي سياسة بلا أخلاق قرر بورقيبة ان يسحق معارضيه من رفاق الامس، ويقوم بضربات استباقية قبل ان ينقض عليه خصومه وهو القائل عندما عاد من فرنسا « انا مستعد للتحالف مع الشيطان».
يذكر الشيخ عبد الفتاح ثابت حين التقيناه في بيته بحضور المناضل مراد المحمودي الذي قضى 8 سنوات في سجون بن علي: « ان كل من حاول التشكيك في بورقيبة زعيما او رئيسا لا يمكن للزمن ان يغفر زلّته. بورقيبة هو من افسد المجتمع المحافظ في تونس. ولست ادري كيف يعتبر الاعلام النوفمبري علي بن سالم شيخ المناضلين وهو الذي جاء الى السجن بعد ان سبقته إليه بسنوات ولم يقض عشر معشار ما قضّيته فيه «..
17 عاما في سجون بورقيبة
حُكم على الشيخ عبد الفتاح ثابت بالمؤبّد سنة 1957، فقضى في السجن سنين عددا، ( 17 عاما) مع رفاقه الستّ بسجون غار الملح وحبس الجديد بتونس وثلاث سنوات في الزنزانات الرطبة الموحشة. وعانى من جلاوزة التعذيب البورقيبي فنونا كالضّرب المبرح واقتلاع الأظافر ووضعيّة الدجاجة المصليّة والتجويع فلم يكن يسمح له بالطعام إلا مرّة كلّ 24 ساعة. لم ير الشيخ عبد الفتاح والدته فقد توفّيت حزنا وفرَقا عليه. وجاءت زوجه وابنته من القاهرة باحثتين عنه، ولما عرفتا انه محكوم بالمؤبد غادرتا تونس الى غير رجعة. لم يشمله العفو التشريعي. ولكن في إطار عفو ثان سنة 1973 أطلق سراحه. وظل 10 سنوات بعدها تحت الإقامة الجبريّة. وانتهى به الأمر، إلى مستشفى الأمراض العقليّة بمنّوبة بعد تعرّضه لاضطرابات نفسية. يقول الشيخ في عبارات آسية: «عَنّ ّلبورقيبة ذات يوم أن يرى من حاول اغتياله، فجُلبت من السّجن إلى القصر معصوب العينين ولما فتحتا ألفيت نفسي أمام بورقيبة فقال: هذا هو سي الكلب ؟ ثم نادى علاّلة العويتي مدير ديوانه الرئاسي وجرّدوني من ثيابي بحضور امرأتين ثم طافوا بي في قاعة القصر. حينئذ قال لي بورقيبة: «أين ذلك الأعمى حتى ينقذك؟ « وكان يلقّب صالح بن يوسف بالأعمى لأنه كان حسير البصر. ثم قال: «لا تقتلوه أريد ان أراه يموت كل يوم «.
ماطر إحدى معاقل اليوسفيّة
يذكر الشيخ أن» أول جامعة دستورية للحزب الحرّ الدستوري الأصيل بعد العاصمة كانت بمدينة ماطر. ثم جاء البورقيبيون وانشأوا جامعتهم في بنزرت وبدا الصّراع بيننا وبينهم. كانوا يسموننا « غْرانْطة « وكنا نسمّيهم حزب فرنسا» من بائعي ضمائرهم. فقذف أهالي ماطر بورقيبة «بالطماطم» في إجتماع شعبي. زار الثعالبي مدينتنا في مناسبتين. كانت الأولى من اجل إنشاء الجامعة وفي الثانية نَصب له البورقيبيون من جهة بنزرت كمينا لقتله بجهة «بئر عزوز» ولكنه نجا من الموت بأعجوبة».
الشيخ الثعالبي، كان من أعظم الزعماء في الشّرق وخطيبا بارعا امضي الكثير من حياته بالمشرق، ولما عاد استقبله 40 ألف تونسي، وتجوّل وسط الجماهير ممتطيا صهوة حصانه وسرق بورقيبة هذا المشهد وأعاده في1 جوان 1955. فماطر كانت متحالفة مع منزل بورقيبة ضد ّالبورقيببين في بنزرت. سافر الشيخ عبد الفتاح الى القاهرة. وكان له نشاط بمكتب المغرب العربي بالقاهرة وكان من أصدقاء حسين التريكي وابراهيم طوبال وصالح بن يوسف. هنالك طلب الى الرئيس جمال عبد الناصر، ذات غداء، انه من عشاق سيد قطب وطلب مقابلته، فاستغرب الرئيس طلبه ثم سمح له بذلك. وزار الشهيد سيد قطب في السجن الحربي ولكن ملاصقة الحراس له في الزيارة لم تسمح له بالحديث. يذكر الشيخ انه هو من اخبر صالح بن يوسف بضرورة مغادرة الوطن قبل ان يصفّيه بورقيبة بل كان مسؤولا على مخابرات الأمانة العامّة في حزب بن يوسف ويقول متحدّثا عن تفاصيل محاولة الاغتيال: «لقد كانت مهمّتي منذ أن انضممت للأمانة العامة هي تزويد صالح بن يوسف بالمعلومات حول تحرّكات» بورقيبة. وسافرت إلى ليبيا ومنها الى مصر إذ كنت ألتقي غرّة كل شهر بالرئيس الراحل «جمال عبد الناصر» ورئيس الجامعة العربيّة حيث كنا نتسلّم منهما مبالغ ماليّة هامّة لمنحها إلى صالح بن يوسف آنذاك. تم التخطيط لاغتيال بورقيبة في مصر بعد ان علمنا بتخطيطه لاغتيال صالح بن يوسف، بعد أن اغتال سائقه الخاص في مؤتمر صفاقس حتى يرهب بن يوسف. واستقر الرأي ان أكون احد المنفذين فعدت الى تونس. ورغم دقّة التخطيط لهذه العمليّة إلا انها لم تنجح. فقد تراجع رفيقي في اللحظات الأخيرة عن إطلاق النّار على بورقيبة بعدما أصبح على بعد خطوات منه. حين كان يحيي اجتماعا في المسرح البلدي، وكنت وزميلي نجلس بين الجماهير فيما كان ثالثنا مستترا خلف أحد الستائر وهو الذي كان قد كلّف بإطلاق النار. ثم تراجع لما سمع بورقيبة يستشهد بآيات من القرآن الكريم فظنّه من حماة الدّين بل انفجر باكيا».
يبلغ شيخنا اليوم من الكبر عتيّا والشّعرات البيض في رأسه تنبئ عن حرائق الامس الغابر المتغطرس وهو الذي رأى الدنيا سنة 1933 بماطر التي ظل بورقيبة ناقما عليها، فظلّت من المدن المهمّشة في عهده. الشيخ عبد الفتاح ثابت والشهيد احمد البوعزيزي هما من اكثر الشخصيات إقامة في السجون من المدينة. قضّى كلاهما 17 عشر عاما ولكن السلطة ولم تفرج عن البوعزيزي المحكوم بالمؤبّد، الا بعد ان استيقنت أن السرطان قد فتك به فتكا ذريعا، فتخلصت من فضيحة استشهاده بالسجن.
الشيخ اليوسفي المناضل عبد الفتاح ثابت لا يطلب اليوم إلا تشغيل ابنتيه العاطلتيْن، الاولى اسمها ذكريات 34 سنة والثانية هي اعتدال 32 عاما، وإعادة الاعتبار إليه بعد أن تجاهلته الحكومات المتعاقبة بعد الثّورة.
سليم الحكيمي