فنّدت وزيرة المرأة سهام بادي في حوار «للفجر» الإشاعات عن اعتزام الوزارة منع تعليم القرآن وتحفيظه في المدارس القرآنية. وبيّنت أنّ ما يصدر عن نبيهة التليلي رئيسة الغرفة النقابية لرياض الأطفال القرآنية، التي تجاهر برفضها للتعليم القرآني من تصريحات لا يمثّل الوزارة في شيء. موضّحة أنّها الوزيرة التي لم يرض عنها اليمين ولا اليسار لاستمساكها بالحياديّة ووقوفها على مسافة واحدة من الجميع.
> هل نجحت حملة التشويه التي تعرضت إليها في ابتزازك وإخضاعك لشن حملة ضد رياض الأطفال القرآنية؟
نحن لا نشتغلّ تحت تأثير الابتزاز أو ردود الأفعال، فقطاع الطفولة اليوم بحاجة إلى إعادة هيكلة ويحظى باهتمام كبير من قبل الوزارة التي تعي جيّدا أنّ ما يحتاجه هذا القطاع ليس مجرّد جراحة تجميلية تخفي فقط التشوّهات، بل إعادة نظر في الهيكلة والبرامج والاستراتيجيا. وهذا يحتاج عملا متأنّيا تساهم فيه العديد من الأطراف ذات الصلة، مثل وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية والشؤون الدينية وأطراف أخرى مثل الجمعيات الحكومية وغير الحكومية. واليوم نحن لدينا أكثر من 16 ألف جمعية من بينها من فتح فضاءات خاصة بالطفولة المبكّرة وهذا لا يزعجنا شريطة أن تراعي هذه الفضاءات حاجيات الطفل النفسية والبيولوجية والصحيّة وتلتزم بالإجراءات القانونية التي تخوّل لها فتح هذه الرياض وبكرّاس الشروط المعمول بها.
> ولكن ألا ترين أنّ كرّاس الشروط المعمول بها منذ 2003 والتي أُعّدت ضمن مشروع تجفيف المنابع تتعارض وتتناقض مع تحفيظ القرآن؟
نحن ندعو إلى الالتزام بالحدّ الأدنى من البرنامج العام المتّفق عليه مثل اللعب والرسم والأنشطة التي تتماشى مع مؤهّلاته الذهنيّة واحتياجاته النفسيّة. ولكن إذا أرادت أيّة مؤسّسة أن تضيف إلى هذا البرنامج حصصا يوميّة لتحفيظ ما شاء لها من القرآن الكريم أو الأحاديث النبويّة أو السير أو تعاليم الإسلام، فهذا شأنها الخاص وليس لأحد أن يمنعها من ذلك، بل وأقدّر أنّ هذا ثراء للطفل ولا يضرّ به. ثمّ إنّ كرّاس الشروط، اليوم، محلّ دراسة وإعادة نظر، وكنّا قد دعونا إلى إيقاف العمل بهذه الكرّاس، والاكتفاء بإعطاء إذن بالفتح أو بالغلق حتى لا نعطّل مؤسّسات جديدة في انتظار إعادة النظر في كرّاس الشروط. ولكن لم يحصل اتفاق حول هذه المسألة بعد مشاورات وذهب الخيار نحو الإبقاء على هذه الكرّاس باعتبار هناك توجّه عامّ نحو الإبقاء على كرّاسات الشروط في جميع المجالات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتربويّة.
فارتأينا أنّه ما دمنا سنُبقي على كرّاس شروط 2003 فلا بدّ من تنقيحها، والبرنامج العامّ هو اليوم محلّ نظر، ونحن بصدد ضبطه بتشريك العديد من الأطراف ومنهم الجمعيّات الدينيّة للاستئناس برأيها. ولن نسمح اليوم كوزارة إشراف معنيّة بشأن الطفولة في تونس أن نتصدّى أو نحارب التعليم القرآني أو نتدخّل في نوع السّور القرآنيّة أو عددها التي تُلقّن في الرياض القرآنيّة.
> لكن ما يروّج اليوم هو أنّ وزارة المرأة تعدّ العدّة لضرب ومحاربة التعليم القرآني؟
هذه مغالطة كبرى ومردّها خلط في الأذهان بين التصريحات الصادرة عن وزارة المرأة وبين تصريحات الغرفة النقابيّة لرياض الأطفال والتي تمثّلها رئيستها السيّدة نبيهة التليلي، التي تجاهر في كلّ المنابر الإعلاميّة المرئيّة والسمعيّة والمكتوبة بمعاداتها للتعليم القرآني، وتجزم بأنّها ستتصدّى لمشروع تحفيظ القرآن في رياض الأطفال وتعتبره جريمة في حقّ الطفل.
فالتبس الأمر على المواطن العادي الذي لا يستطيع أن يميز بين رئيس غرفة نقابيّة وبين موقف رسمي لوزارة الإشراف فيذهب إلى ظنّه أنّ هذه السيّدة تتحدّث باسمنا. في حين ليست لها أيّ صلاحيّة، لا لوضع البرامج ولا يعود لها الإذن بالفتح أو بالغلق ولا حتى بالتفقّد.
> إذن تصريحات هذه السيّدة لا يلزم الوزارة في شيء؟
أكيد جدّا، وهذه فرصة لأوكد فيهاأنّ ما قالته هذه السيّدة في حقّ رياض الأطفال القرآنية وفي حقّ التعليم القرآني لا يلزمنا ولا يمثّل الوزارة في شيء، ولا نتّفق معه شكلا مضمونا.
> كيف تفسّرين إذن الحملة التي شنّت على رياض أطفال قرآنيّة واعتبارها فضاءات فوضويّة؟
ليس هناك أيّ حملة تستهدف الرياض القرآنيّة، ومن روّج لهذه المسألة عليه أن يتحمّل مسؤوليّة ما صرّح به. وأنا من موقعي هذا، وبمقتضى صلاحيّاتي، لن أسمح بغلق أيّ روضة بسبب تحفيظ القرآن والأحاديث وتعاليم ديننا، ولن أسمح بالتدخّل في عدد السور التي تلقّن للطفل ولا نوعها. وهل نكون بِدْعا من دول العالم؟ فحتى أكثرها تحضّرا وعراقة في الديمقراطيّة نجد فيها جميعها مدارس دينيّة تدرّس فيها مبادئ المسيحيّة أو اليهوديّة أو الإسلاميّة؟ فهل نسمح نحن لأنفسنا بأن نغلق مدارس، فقط، لأنها تدرّس تعاليم الإسلام وتحفّظ القرآن الكريم؟ ولعلمك، إلى جانب الدكتوراه في الطبّ وإجازة علوم التربية، أنا متحصّلة على إجازة في علوم القرآن بالرّوايات الأربعة من المدرسة القوميّة للقرآن الكريم على يدي الشيخ الأنداري والحفيان وغيرهما. وكنت طوال إقامتي بفرنسا حريصة على وضع بناتي منذ الطّفولة المبكّرة في مدارس دينيّة يتعلّمون فيها تعاليم دينهم ويحفظون ما تيسّر من القرآن الكريم بالتوازي مع البرامج الدراسيّة الفرنسيّة. إذن، مشكلتنا ليست مع البرامج الدينيّة وتحفيظ القرآن، وإنما مع عدم توفّر شروط الفضاء الملائم للطفولة سواء من حيث التجهيزات أو الظروف الصحيّة، أو الاحتياجات النفسيّة وأنا آسفة من رواج فكرة أنّ غلق بعض الرياض يندرج في إطار حملة ضدّ رياض الأطفال القرآنيّة لأنّ الأذون بالغلق قد طال الرياض العاديّة أكثر من غيرها لما عاينّاه من مخالفات جسيمة.
> ما المطلوب إذن من الرياض القرآنيّة؟
الالتزام ببعض الإجراءات القانونيّة الإداريّة الضروريّة، وبالبرنامج العامّ المعمول به وبتوفير الفضاءات الملائمة للأطفال، ولها أن تثري هذا البرنامج بما تشاء من فقرات دينية وأن تلقّن الأطفال الذين تحتضنهم ما تشاء من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والقيم الدينية. ودعيني أقول أنه يحزّ في نفسي أن تغلق بعض الرياض القرآنيّة التي تتوفّر فيها جميع الشروط المطلوبة وزيادة وتقدّم فيها خدمات مثاليّة للأطفال، فقط بسبب عدم استيفاء بعض المسائل الإداريّة البسيطة والأمثلة كثيرة أذكر من بينها الفضاءات التابعة لرابطات نور البيان.
> أنت متّهمة بالانحياز إلى الإسلاميين وتغليبك لرؤيتهم؟
أجل، أنا متّهمة بانحيازي إلى التيّار الإسلامي وأحيانا السلفي وهناك من يعتبرني سلفيّة من دون نقاب مندسّة داخل الوزارة. وفي المقابل أنا أيضا متّهمة بأنّي منتصرة لليسار وبأني أنظر بعين واحدة، وأسيّر الوزارة بتعليمات وتوجيهات اليسار الإقصائي. وهذه في اعتقادي علامة صحيّة ودليل على أنّي لست نصيرا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وإني أقف على نفس المسافة من الجميع وإن كان لا بدّ أن أنتصر لطرف فسيكون لكلّ التونسيين مهما كانت انتماءاتهم وتوجّهاتهم. على الجميع أن يعوا جيّدا أنه لم يعد هناك أيّ مجال اليوم لفرض وجهة نظر أيّ طرف وتوجّهاته الخاصّة على الآخر. انتهى زمن مصادرة الحقوق والحريّات وانتهى زمن الإقصاء والوصاية والرأي الواحد.
> ما رأي وزيرة المرأة في رفع التحفّظات على فصلين من اتفاقيّة «سيداو» بعد 53 سنة من التحفّظ؟
ربّما ما لا يعرفه الكثيرون أنّ هناك دولا لم تصادق أصلا على اتفاقيّة «سيداو» ومن أبرزهم أمريكا، لأنّ الدول عموما لها خصوصيّات دينيّة وثقافيّة وحضاريّة ولها تقاليد وأعراف تعتبر أنّ احترامها من احترام حقوق الإنسان. أنا كوزيرة للمرأة أحاول أن أقف على نفس المسافة من جميع نساء تونس من دافعت منهنّ على رفع التحفّظات ومن رفضت لأنّ كلّ هؤلاء يمثّلن شريحة من المجتمع التونسي، وكان من المفروض أن يفتح حوار وطني بين جميع الحساسيّات والتوجّهات لحسم هذا الأمر. ولكن ما حصل للأسف هو تعسّف على المجتمع التونسي وفرض لوصاية طرف واحد أعدّ مشروعه من وراء أبواب مغلقة، غلّب فيها وجهة نظر واحدة وغيّب الرؤية الأخرى. وكان الأجدى في مسألة حسّاسة كهذه أن ينضّج الحوار بين جميع الأطراف وجميع مكوّنات المجتمع التونسي حتى لا يسرق حقّ أي طرف في إبداء رأيه في قرار يعنيه. وإن كنّا نؤمن حقّا بالديمقراطيّة، فكان حريّا بنا أن نحتكم إلى رأي غالبيّة المجتمع التونسي إذا لم يحصل وفاق أثناء الحوار الوطني. فإن رأى الشعب في أغلبه ضرورة رفع هذه التحفّظات فعلى الجميع أن يحترم هذا القرار، وإن رأى في رفع التحفّظات اعتداء على هويّته وثوابته وثقافته، فمنطق الديمقراطيّة يقول أن نحترم هذا القرار، لا أن نمارس عليه الوصاية.
> لماذا لم نسمع لوزيرة المرأة أيّ موقف تجاه ظاهرة «الصدور العارية»؟
أنا أبديت موقفي لرئاسة الحكومة منذ البداية، وأعربت عن رفضي المطلق لهذه الظاهرة، وخاصّة عندما بلغ مسامعي أنّهن طالبن بتأشيرة للنشاط كجمعيّة معترف بها. وفي الحقيقة هؤلاء لا يمثّلن المرأة التونسيّة الحرّة الأصيلة. ولا أعتقد أنّ هذه هي الحريّة التي تنشدها نساءنا، أو تتشرّفن بها. فحريّتنا واستقلاليّتنا لا تعني التصادم مع الفطرة ومع هويّتنا وأصالتنا وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا، ولا تعني أيضا التعسّف على حقوق الغير. هل تعلمون أنّ فرنسا بلد الحريّات يمنع قانونها التجوال بلباس البحر خارج الشواطئ ويغرّم كلّ مخالف بخطيّة ماليّة، فما بالك بمجتمع تضبطه قيم وثوابت وعادات وتقاليد. وفي الحقيقة هذا السلوك يستهجنه كلّ منطق طبيعي لأنّه مخالف للفطرة.
فائزة الناصر