فائزة الناصر ـ “حركة النهضة لا تشترط على أعضائها أن يكونوا مستنسخين، وتنوّع رموزها في إطار الالتزام بالمبادئ العامّة للحركة وخطّها الاستراتيجي يقويها لا يضعفها، وانفراط عقدها سيظلّ حلم في أذهان خصومها”. هذا ما أكّده القيادي في حركة النهضة عبد اللّطيف المكّي في حوار خصّ به الفجر، تحدّث فيه عن مزايا التوافقات السياسية لسدّ الطريق أمام الذين يتبنون استراتيجية انقلابية تهدف إلى إدخال البلاد في الفوضى وفي المجهول وإلى عرقلة إنجاز الدستور وإجراء انتخابات.
البعض يرى أنّ حزمة التنازلات التي قدّمتها حركة النهضة أفقدها الكثير من بريقها ورصيدها الثوري والنضالي؟
النهضة مسؤولة عن إنجاح الحياة السياسيّة في البلاد باعتبارها الحزب الأكبر، وهي مطالبة أكثر من غيرها بإبداء المرونة الكافية. وهذا ما فعلته حركة النهضة دون أن يكون ذلك على حساب خطّها المبدئي وأهدافها الاستراتيجيّة وهي أهداف الثورة. وأعتقد أنّ الحوار الوطني وما أسميته بالتنازلات لم يتجاوز حدود الخطّ المبدئي للحركة. صحيح، كان هناك بعض التنازلات على حساب النهضة، ولكن لن تجدي فيها مسّا بمبادئنا العامّة، قد أتفهّم ردّة فعل البعض وتعليقاتهم، ولكن أقدّر أنها ستزول بمجرّد تكثيف عمليّة الاتصال الداخلي لشرح فلسفة هذا الحوار وما أقدمت عليه حركة النهضة.
هل تركت النهضة كحزب أغلبي لنفسها ما تحكم به؟ هل هي حاضرة اليوم فعليّا في القرار الوطني؟
طبعا، النهضة في قلب القرار الوطني، وتقود العمل الحكومي بثقة، ولا نرى أيّ تحوّل في مركز الحكم من الحكومة إلى خارجها. بقي أنّ الحركة واعية أنّها لا تُفصّل دستورا ولا نظام حكم خاصّا بالنهضة، وإنّما لبلد بأكمله وبجميع فئاته وشرائحه، والنهضة وإن كانت اليوم في الحكم فربّما تكون غدا في المعارضة، ولا تقاس القضايا بمصلحة الأفراد وإنّما بمصلحة البلاد عامّة. قد يكون ما توصّلنا إليه من اتفاقات لا يمثّل رؤية حركة النهضة مائة بالمائة ولكن على كل حال كان قرارا جماعيّا يجعلنا نتقدّم باتجاه الهدف الرئيسي في هذه المرحلة وهي إقرار الدستور وتحديد تاريخ الانتخابات لقطع الطريق أمام من يحمل استراتيجية إدخال البلاد في الفوضى وفي المجهول والانقلابيّة وعرقلة الانتخابات، باقتراح صيغ أخرى غير ديمقراطيّة باسم الوفاق لتسيير البلاد. لذا، تقديم بعض التنازلات للوصول بالبلاد إلى برّ الأمان والشفافيّة ووضوح الرؤيا معمول به في قانون السياسات ومحمود.
لماذا كلّ هذا اللّغط وهذا الالتباس في موقف حركة النهضة من تمرير قانون تحصين الثورة؟
لا وجود لأيّ لبس في موقف حركة النهضة من قانون تحصين الثورة، النهضة حسمت أمرها وعبّرت عنه من خلال مؤسّساتها الشرعيّة التي أكّدت فيها تمسّكها بتمرير هذا القانون من خلال عرضه في جلسة عامّة على المجلس التأسيسي للبتّ فيه. وما يحدث من لغط حول هذا الموضوع ليس سوى تخمينات يتبنّاها برنامج سياسي يعمل على تشويه حركة النهضة وإبرازها إمّا في شكل المتخاذل والمتردّد والمتشكّك أو المتطرّف والمغالي، وحركة النهضة ليس لها أي مصلحة في تلويث تاريخها النضالي والثوري النظيف والمشرّف من أجل مكاسب تافهة ورخيصة.
ولكن ألا تعتقد أنّ اليسار الإستئصالي الذي كان اليد الطولى للنظام السابق في بطشه وجبروته، سيكون هو المستفيد الاول من قانون تحصين الثورة؟
هذا صحيح، لهذا قلت في أكثر من مناسبة إنّ الآليّة القانونيّة لتحصين الثورة من أعدائها مهمّة وضروريّة ولكنها تظلّ محدودة لإنجاز الأهداف السياسيّة الكبرى للثورة، لذلك لا بدّ من التعويل على وعي الشعب التونسي الذي يعرف أعداءه وخبر فسادهم وظلمهم وجبروتهم، وهو الأجدر بتحصين ثورته ووطنه من هؤلاء جميعا، لذا، لا بدّ من المراهنة على الوعي والقرار الشعبي في انتظار تفعيل العدالة الانتقاليّة التي تعتبر آليّة قانونيّة وسياسيّة في نفس الوقت.
وهل تعتقد أنّ القضاء جاهز اليوم ليكون قاطرة العدالة الانتقاليّة؟
في الحقيقة، القضاء كان من أكثر المرافق التي تعرّضت إلى ضغوط في العهد البائد ولا بدّ من أن يعالج في إطار احترام استقلاليته وخصوصيّته، وفي نفس الوقت في إطار احترام مبادئ الثورة الأساسية التي تقوم على العدالة، وتحقيق العدالة لا يتمّ إلّا في ظل إصلاح قاطرتها وهي القضاء. وللعلم فقد تقدّمت وزارتنا بالعشرات من ملفات الفساد إلى القضاء ولكنّه لم يحسم في أيّ منها إلى حدّ الآن، لذا طالبنا بجلسة مع وزارة العدل لتوضيح هذه المسألة والاستفسار عن أسبابها حدّدت منتصف هذا الشهر.
بعض المنشغلين بالشأن الداخلي لحركة النهضة يؤرّقهم السؤال حول من يمثّل حركة النهضة سمير ديلو أم الصادق شورو، عبد اللطيف مكي أم حمادي الجبالي؟
حركة النهضة هي كلّ هؤلاء، وأقوى ما فيها تنوّعها وانفتاحها، وهي حركة لا تشترط أن يكون كلّ أعضائها مستنسخين عن بعضهم، هي تشترط الاتفاق في المبادئ العامة والأهداف الكبرى وهذا حاصل بالفعل، ولكنها تتميز بتنوع المجالات والفضاءات التي تنتمي إليها قياداتها، فمنهم من جاء من المهجر وقد عايش فكرهم وتجاربهم، ومنهم من جاء من الساحة الحقوقية، ومنهم من جاء من مجال المال والأعمال، وبعضهم منشغل بالعلوم الشرعية وبعضهم أكاديمي. كلّ هؤلاء قد تتباين رؤاهم وتعاطيهم مع بعض الأحداث، ولكن في الأخير مواقف حركة النهضة الرسمية لا تصدر إلاّ عن طريق مؤسساتها الشرعية، رغم أن هذا لا ينفي أن بعض الإخوة قد لامسوا أحيانا الخطوط المؤطّرة للمواقف العامة للحركة وعليهم أن ينتبهوا إلى ذلك خاصّة إذا تعلّق الأمر بمعلومة كما كان الشأن مع الدكتور شورو مؤخّرا والذي لم يتأكّد مسبقا من دقّة معطياته التي صرّح بها.
جزء كبير من الرأي العامّ التونسي استهجن واستغرب وجود الاتحاد العامّ التونسي للشغل طرفا في لجنة التحقيق في أحداث محمّد علي التي ترأّستها، وهو جزء ممّا حدث، كيف تبرّر ذلك؟
الحكومة كان عندها بعض الملاحظات على تركيبة اللجنة منذ البداية، وكانت تفضّل أن تتكوّن هذه اللجنة من عدد من الخبراء المحايدين حتى لا يتحوّل عملها إلى جلسة مفاوضات. لذا، ما طرحته فيه الكثير من الوجاهة والمنطق، ولعلّ ما انتهت إليه أعمال هذه اللجنة يؤكّد وجاهة هذا الاستهجان.
اليوم حدث ما حدث، ونحن أمام تقريرين، تقرير تقدّم به اتحاد الشغل منفصلا وآخر تقدّم به مجموعة من الخبراء، لم أتدخّل في صياغة أيّ حرف من حروفه، حاولوا أن يقدّموا شهادة أمام التاريخ. وأعتقد جازما أنّ هذه المسألة يجب أن لا تعالج معالجة سياسيّة، بل تعالج إثر تحقيق واستبيان يأتي على إثرها الموقف السياسي.
قلتم في تصريحات سابقة إنّ الدولة وفّرت ميزانيّة محترمة لقطاع الصحّة لسنة 2012-2013 فإذا بنا نرى مستشفيات في الداخل تستجدي بعض التجهيزات؟
هذا غير صحيح، وقد جاءتنا شكاوى من مديري المستشفيات وخاصّة مستشفيي سيدي بوزيد والقصرين مفادها أنّ المعدّات موجودة ومتوفّرة وهي على ذمّة المسؤولين، وهؤلاء المديرون يطالبون بحقّهم في الردّ الإعلامي والقانوني باعتبار أنّ ذلك البرنامج التلفزي تعمّد تصوير أماكن بطريقة انتقائيّة وتعمّد الاستماع إلى أشخاص وتجاهل المعنيين بالأمر وهم الممثّلون القانونيّون لقسم الاستعجالي الذين يمكـنهم الإجابة عن كلّ التساؤلات بصفة دقيقة.
المستشفيات لها ميزانيّتها الخاصّة، والمدير هو المسؤول عن التصرّف المالي وهو الذي يقتني المعدّات التي تلزم المستشفى، ولا دخل للوزارة في مثل هذا التصرّف، وغياب أي معدّات يسأل عنها مدير المستشفى. لذا أقول أنّ هذا البرنامج كان له هدف سياسيّ بامتياز، بل حتى المستدعون في البرنامج اثنان منهم محلّ تفقّد من قبل الوزارة.
ماذا أعددتم للحدّ من نقص بعض الأدوية في المستشفيات؟
نسب تغطية الأدوية ارتفعت بشكل ملحوظ، ولنا في ذلك إحصائيّات، ولكنّها تظلّ منقوصة، وفي هذا الإطار يجب تنظيم قطاع الصيدلة داخل المستشفيات لأنّ ما تشهده بعض المستشفيات من نقص في الأدوية لا يعود إلى ضعف أو نقص في الميزانيّة، بل إلى طرق معيّنة في وصف الأدوية والتصرّف فيها، ونحن بصدد تشخيص عميق لهذه المشكلة التي تفاقمت طيلة العقدين الأخيرين بشكل ملحوظ بسبب خيارات ليبراليّة غير اجتماعيّة وبسبب الفساد الذي نخر هذا القطاع. لذلك، لا بدّ أن تستغرق بعض الوقت لإصلاحه، نحن لا نطلب ربع قرن، ولكن على الأقلّ أربع أو ستّ سنوات، حتى تبدو نتائج الإصلاح عامّة وشاملة.
ماذا تحقّق في مجال تزويد المستشفيات بالعدد اللازم من سيّارات الإسعاف المجهّزة بالشكل اللازم؟
موضوع سيّارات الإسعاف، نحن في طريق حلّه نهائيّا، وقد استقبلنا قرابة 90 سيّارة إسعاف من جملة 357 ومن هنا حتى نهاية شهر جويلية إن شاء الله، سنكون قد استكملنا الـــ297 سيّارة.
هل أعدّت الوزارة خطّة لمجابهة العزوف عن العمل في المستشفيات الداخليّة؟
صحيح، هذه مشكلة مؤرقة فعلا للوزارة وللمستشفيات في المناطق الداخليّة وللمرضى، لذا، اتخذت الوزارة 3 مشاريع للحدّ من هذه المشكلة. أوّلها بعث كليّات طبّ في المناطق الداخليّة، وهذا المشروع جاهز وينتظر القرار النهائي من المجلس الوزاري، ثانيها إرساء شراكة بين المستشفيات الجهويّة تقوم أساسا على تبادل الأطبّاء والمرضى والفرق التمريضيّة، وقد أعددنا بالفعل عقود شراكة بين المستشفيات الجامعيّة وكليّة الطب والمستشفيات الجهويّة، ممّا سيمكّن من تنقّل أطبّاء الاختصاص بصفة دوريّة إلى مستشفيات الداخل ليعملوا مع نظرائهم هناك، ويقوموا بعمليّات جراحيّة وبمعاينة المرضى.
أمّا المشروع الثالث، فيتمثّل في مشروع قانون تقدّم به مجموعة من النوّاب إلى المجلس الوطني التأسيسي للمصادقة عليه يوجب على الخريجين الجدد من الأطبّاء أن يعملوا في المستشفيات العموميّة في بداية تخرّجهم، ثمّ يكون لهم بعد ذلك مطلق الحريّة في اختيار العمل في القطاع العمومي أو الخاصّ. ونحن كوزارة ندعم بقوّة هذا المشروع.
شهد مستشفيا الهادي شاكر والحبيب بورقيبة مؤخّرا إضرابا عن العمل “لا أخلاقي”، هدّد حياة المرضى، في المقابل لم نسمع صدى لوزارة الصحّة ولا حتى صوتا خافتا؟
دعينا نتّفق بداية أنّ هناك جهات تستعمل قطاع الصحّة في ولاية صفاقس للتأثير على الوضع العام في الولاية، لذا فإنّ التعامل مع هذا الوضع الدقيق لا يكون من خلال وزارة الصحّة فقط. مع ذلك نحن نعمل باستمرار من أجل تصحيح الأوضاع داخل المؤسّسات الصحيّة في مدينة صفاقس حتى يعود العمل إلى طبيعته، وحتى لا تكون هذه المستشفيات رهينة لحسابات ضيّقة. وفي هذا الإطار، تقدّمنا إلى القضاء بالعديد من القضايا ولكنّه لم يتحرّك إلى حدّ الآن، وبالنسبة إلى الأحداث الأخيرة التي وقعت في مستشفيي الهادي شاكر والحبيب بورقيبة، فالوزارة لم تبق مكتوفة الأيدي ولم تلزم الصمت، بل قمنا بتفقّد المستشفيين وأعددنا تقريرا هو اليوم في لمساته الأخيرة وسنبني عليه كلّ النتائج بئذن الله، ونحن نقوم بعملنا بدقّة وهدوء ودون ضجّة.