في الوقت الذي قبلت فيه حركة النهضة بمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل منطلقا للحوار الوطني، كانت قيادات الجبهة الشعبية والاتحاد من أجل تونس تؤكد أنها قادمة على المزيد من التصعيد والنزول للشارع لإسقاط الحكومة وحلّ المجلس التأسيسي. وقد أكد في هذا الإطار سمير بالطيب أن أربعينية الشهيد محمد البراهمي ستكون فرصة للمرابطة في الشارع من أجل تحقيق هذا الهدف، في حين أشار حمة الهمامي إلى أن العودة المدرسية ستساعد جبهة الانقاذ على المزيد من الحشد من أجل إسقاط الحكومة. ومن جهة أخرى قال نجيب الشابي عن الحزب الجمهوري انه لامعنى للحوار أصلا إذا لم تستجب النهضة إلى مطلب حلّ الحكومة، وأن هذا النوع من الحوار يعتبر مضيعة للوقت.
ومع تواصل محاولة الكثير من الجهات السياسية والاجتماعية الدفع باتجاه انطلاق الحوار الوطني في أقرب وقت ممكن وفي مقدمة هذه الاطراف اتحاد الشغل واتحاد الأعراف واتحاد الفلاحين والنهضة والمؤتمر والتكتل والتحالف الديمقراطي وتيار المحبة وحزب الأمان وغيرهم، تواصل “جبهة الانقاذ” الحشد الإعلامي والشعبي لما سمته أسبوع الرحيل الذي حددت له يوم 24 من هذا الشهر موعدا للانطلاق ويوم 26 يوما للتتويج واسقاط حكومة علي العريض.
الخطاب المتصلب لجبهة الإنقاذ ومكوناتها لم يفهمه البعض إلا تحت عنوان “رفض الحوار” والإصرار على مطلب وحيد وأساسي هو “اسقاط الحكومة” سيكون متبوعا حتما بإجراءات أخرى تقلم أضافر النهضة وربما تؤجل الانتخابات إلى أجل غير مسمى تحت عناوين شتى منها الوضع الأمني ومحاربة الارهاب وغيرها. وفي الوقت الذي عبرت فيه قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل عن ليونة واضحة في تعديل مبادرتها حتى تحقق أكثر ما يمكن من الوفاق بدت الجبهة الشيوعية وحزامها في “جبهة الانقاذ” وكأنها تتحرك طبقا لأجندة خاصة وواضحة تنتهي بفرض شروطها بأي شكل من الأشكال على بقية الطيف السياسي، رغم أن تحركات الجبهة الشعبية لم تجد سندا شعبيا لتحركاتها الأسبوعية.
هدف النهضة وهدف الجبهة
كان واضحا من خلال بيان مجلس شورى حركة النهضة وموقفها الأخير بقبول مبادرة الاتحاد منطلقا للحوار أنها حريصة كل الحرص على المصلحة الوطنية وانها تتصرف كحزب كبير مقدمة المصلحة العليا للبلاد على المصلحة الحزبية، خاصة وأن الكثير من المعارضين دأبوا على التشكيك في نواياها. ولكن من غير المفهوم هذه المرة أن تكون الجهة المقابلة متصلبة غير قابلة للحوار رغم دقة الوضع والتهديدات الكثيرة الارهابية والاقتصادية والاجتماعية التي تهدد بلادنا.
وإذا كان الهدف من قبول مبادرة الاتحاد منطلقا للحوار الوطني من قبل النهضة، رغم معارضة الكثير من قواعدها هو المصلحة الوطنية والذهاب إلى الحوار الوطني طريقا وحيدا لحلّ الأزمة، فإن هدف “جبهة الانقاذ” من رفض هذا التمشي والاصرار على حل الحكومة قبل انطلاق الحوار الوطني هو افشال كل الجهود وتحقيق أجندا خفية وهي وأد هذا المسار الانتقالي بتنصيب “حكومة كفاءات” لا نعلم معالمها مع التخلي عن القانون المنظم للسلطات العمومية وتقييد المجلس التأسيسي أو اضعافه، وهو ما يعني عمليا سيطرة جهة خفية على السلطة وتوجيه المسار الانتقالي واختطافه الى طريق مجهول.
أما الملاحظة الثانية فهي أن الحديث عن حكومة كفاءات مفروضة فرضا من طرف سياسي بعينه وقبل الاتفاق في حوار وطني هو نوع من “الانقلاب” على الارادة الشعبية وعلى مبدأ التوافق الوطني، ولن يتحقق مثل هذا المقترح قبل الجلوس الى طاولة الحوار. كما أن تحديد مهام الحكومة القادمة والاتفاق على شخصياتها يحتاج الى وقت والى مجهود في التفاوض بين الأحزاب السياسية، ولا يمكن في هذا الوقت ترك البلاد للفراغ أو المغامرات التي يخطط لها البعض. ومن هذا المنطق نفهم تأكيد النهضة على أن حكومة الترويكا لن تستقيل وستواصل مهامها حتى تتفق مكونات المشهد على الطريق الأسلم والأمثل للخروج من الأزمة.
أما الجبهة ومكوناتها فإذا أصرت على رفض الجلوس الى طاولة الحوار فهي ستتحمل وحدها ما يمكن أن ينجر عن هذا التصلب من تطورات لا تحمد عقباها، كما أنها ستؤكد عزلتها الشعبية وانفضاض الناس من حولها بسبب هذا التمشي الذي يخرب التجربة الديمقراطية ويلقي بالبلاد في أتون المجهول.
محمد فوراتي