ما زالت تداعيات اللقاء الذي جمع بين رئيسي حركة النهضة ونداء تونس تتواتر وتنبئ بتشكيل تفاصيل جديدة للمشهد السياسي التونسي رغم أن بعض التيارات السياسية التي كانت تنسق مع النداء مصرة على أن مواقف هذه الحركة لم تتغير ولم يؤثر فيها لقاء باريس بين الشيخ الغنوشي والسيد قايد السبسي.
لكن الثابت أن هنالك تغييرات كبيرة في طريقة تعاطي حركة نداء تونس مع الوضع السياسي بالبلاد، بل إن هذه التغييرات مست النداء ذاته إذ تغيرت موازين القوى داخله بعد لقاء الزعيمين الغنوشي وقايد السبسي، تغيرت لصالح التيار الدستوري الذي افتك زمام المبادرة في دوائر صنع القرار داخل النداء من التيار اليساري. وقد أكدت مصادر مقربة من النداء أن اجتماعات ماراطونية تعقد حاليا بإشراف السيد حافظ قايد السبسي لإعادة هيكلة النداء جهويا ووطنيا بما يعطي التيار الدستوري داخل النداء مكانة تليق بحجمه في الحركة، خاصة أن التيار الدستوري يدفع بقوة إلى عقد المؤتمر التأسيسي للحركة لإعادة توزيع المسؤوليات فيها حسب الانتخابات التي سترجح كفة هذا التيار على حساب التيار اليساري الذي احتكر كل المناصب القيادية في النداء منذ التأسيس، وهو ما خلق إحساسا لدى “الدساترة” في هذه الحركة بالضيم لأنهم الأكثر عددا والأكثر تمويلا للحركة، بل إن مقرها على ملك أحد “الدساترة” الذي حصل بينه وبين منتمين للخط اليساري في النداء أكثر من سوء تفاهم. وقد أكدت هذه المصادر القريبة من النداء أن رموز التيار اليساري داخله وجدت نفسها على الهامش منذ انطلاق الترتيبات داخل النداء لعقد لقاء بين الغنوشي وقايد السبسي، وقد سعت هذه الرموز اليسارية إلى تدارك تبعات ذلك اللقاء لكنها وجدت الصدّ من التيار الدستوري الذي نجح في إقناع قايد السبسي بضرورة الاجتماع بالغنوشي، وإقناعه قبلها بإرسال إشارات إيجابية إلى حركة النهضة انطلقت منذ الحوار الذي أجراه زعيم النداء في قناة نسمة، وقد أثار ذلك الحوار استياء التيار اليساري الذي كان يريد أن يكون خطاب قايد السبسي في الحوار في قناة نسمة أكثر حدة ومغلقا لأبواب أيّ تحاور محتمل آنذاك بين النهضة والنداء.
وأضافت تلك المصادر أن رموز التيار اليساري كانوا يعوّلون على التجمع الذي تمّ عقده في باردو يوم السبت الفارط في انطلاق أسبوع الرحيل؛ إذ كانوا يأملون في حشد جماهيري كبير يعتمدون عليه لإقناع السيد الباجي قايد السبسي بضرورة مواصلة التنسيق في إطار جبهة الإنقاذ الوطني لإسقاط الحكومة إلا أن عدد الحاضرين لم يكن كما كانوا ينتظرون ويتوقعون، بل إن تلك المصادر أضافت أن النداء لم يشارك في حشد الجماهير لاقتناع قايد السبسي بأن وسيلة جبهة الإنقاذ لإسقاط الحكومة سيؤدي إلى الفوضى وخراب مؤسسات الدولة، وهو ما لا يرضاه أي سياسي عاقل يحبّ الخير لبلاده. وأكدت تلك المصادر أن قايد السبسي رفض الحضور في باردو، كما أنه لم يعط محسن مرزوق أي تفويض ليلقي كلمة باسمه في تجمع باردو السبت الفارط، مكذبة تصريح مرزوق بأن ما قاله في ذلك التجمع الاحتجاجي كان كلمة السيد الباجي قايد السبسي.
ياسين الصيد