تونس ـ الفجر ـ أسامة بالطاهر ـ عاد الجيش الوطني الأسبوع الماضي إلى تنفيذ عمليات القصف الجوي والبري لبعض المواقع في جبل الشعانبي من ولاية القصرين. وقد أكّد متساكنو المنطقة أن دويّ الانفجارات لا يكاد ينقطع ليلا أو نهارا، وأن تحركات الجيش في الجبل بقيت طيّ الكتمان مع تواصل غلق منطقة الشعانبي بالكامل.
من جهته أكّد الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الوطني العميد توفيق الرحموني في تصريح لجريدة الفجر أن الأخبار الرائجة عن انسحاب الوحدات العسكرية من المنطقة عارية عن الصحّة، مشيرا إلى أن ما يجري هو إعادة انتشار هذه الوحدات فقط من أجل زيادة المراقبة والقيام بعمليّات تمشيط، ولتعزيز الحضور العسكري في المنطقة. ونفى العميد من جهة أخرى أن تكون للمستجدات على الساحة السياسية الوطنية أيّة علاقة بعملية إعادة انتشار الجيش الوطني التي حصلت في الآونة الأخيرة، مؤكّدا التزام الجيش الوطني بعقيدته التي لم تتغيّر والتي لن تتأثر بأي تجاذبات سياسيّة.
وبخصوص تقدّم العمليّات العسكريّة بمنطقة الشعانبي أكّد أنها امتداد للعمليّات العسكريّة السابقة التي يتمّ بموجبها التضييق على الإرهابيّين المتحصّنين بالمنطقة، نافيا أن تكون هذه العمليّات قد انقطعت. وأضاف العميد أن هذه العمليّات قابلة للتوسيع إذا استدعى الوضع الأمني ذلك. وطالب العميد الرحموني مواطني المنطقة بضرورة الابتعاد عن منطقة العمليّات للحفاظ على حياتهم وتفاديا لأي اشتباه، داعيا إياهم إلى الإدلاء بأية معلومات تتوفّر لديهم لقوّات الأمن الداخلي.
طائرات بلا طيّار
دعي عدد من العسكريين المشاركين في عمليات التمشيط بسفوح جبل سمّامة المحاذي لجبل الشعانبي الذي يتعرّض بدوره إلى عمليّات تمشيط وقصف، إلى اللجوء إلى التقنيات العالية لكشف تحركات الإرهابيين على غرار الطائرات بلا طيار ورواج بعض المعطيات في بعض وسائل الإعلام عن وصول اثنين منها إلى تونس، لكن العميد أكّد أن طرق التدخّل العسكريّة ونوعيّة التعامل بعد التقييم الذي شمل العمليّات السابقة، وحقيقة الاعتقالات وشبكات التمويل والتموين وغيرها، كلها معلومات تندرج ضمن المعلومات السريّة التي لا يمكن ترويجها للحفاظ على سريّة العمليّات. مبيّنا أن المؤسسة العسكرية ستسخر كل الأفراد والمعدات والتجهيزات التي بحوزتها للدفاع عن الوطن وخوض الحرب ضد الإرهاب، مثنيا في هذا السياق على أهمية التعاون الوثيق مع الأجهزة العسكرية الجزائرية فيما يخص أمن الحدود المشتركة.
تعاون تونسي ـ جزائري
وهو ما أكّده مصدر أمني جزائري لوكالة الأناضول الذي صرّح بأن خبراء عسكريين جزائريين شاركوا في فحص عينات من المتفجرات التقليدية والعبوات الناسفة التي اكتشفها الجيش التونسي في جبل الشعانبي في الأسابيع الماضية.
وأكّد هذا المصدر أن العيّنات التي يتمّ فحصها “نقلت في النصف الثاني من الشهر الجاري إلى مختبر الدرك الوطني الجزائري (تابع للجيش) في العاصمة الجزائر، وهو متخصص في المتفجرات والأسلحة”.
وأوضح أن “عمليات الفحص تهدف إلى معرفة مصدر هذه القنابل، وهل صنعت في جبل الشعانبي أم جلبتها العناصر المسلحة في الجبل من الجزائر أو ليبيا أو شمال مالي”.
الحسم قريب
وفي تقييمه لما يجري على الميدان اليوم أكّد الخبير العسكري السيّد محسن الكعبي أن هذه التحرّكات تأتي تتمّة للتدخل السابق الذي يهدف إلى القضاء على الجيوب الإرهابيّة، مبيّنا أن الحسم سيكون قريبا لتظافر جميع الجهود البريّة والجويّة، وخاصّة وجود قيادة عسكريّة شابّة وجديدة وقع تعيينها على أنقاض قيادات أقلّ ما يقال عنها إنها كانت مُوالية للنظام السابق، وتمّ تعيينها بمنطق الولاء لا الكفاءة.
وحمّل الكعبي أطرافا من الداخل والخارج مسؤوليّة النتائج المخيّبة للتدخل العسكري السابق، هذه الأطراف تآمرت ـ حسب تعبيره ـ على أمن البلاد من أجل تمرير أجندات سياسيّة معيّنة للانقلاب على الشرعيّة، واصفا الأطراف المتآمرة من الداخل بأنها جيوب الردّة في مؤسسات الدولة الأمنيّة والعسكريّة.
وجدّد الكعبي ثقته في عناصر قوّاتنا المسلّحة في حسم ملف الإرهاب في هذه المنطقة واسترجاع جبل الشعانبي وإخلائه من كل العناصر الإرهابيّة قبل العودة المدرسيّة.
أسئلة وغموض
من المؤكد أن الجيش الوطني التونسي تحرك بفاعلية هذه المرة وخاصة بعد حادثة اغتيال جنودنا البواسل، كما كانت عمليات القصف شاملة، وحسب معلومات أولية نجحت بالتعاون مع قوات الأمن الداخلي في القبض على بعض المتهمين وإن كان عددهم قليلا. وهذا التقدم يطرح أكثر من سؤال عن الجولة الأولى من العمليات في مارس القادم والتي فشلت وتحدثت فيها التقديرات الأمنية وحتى تصريحات الجنرال رشيد عمار عن أكثر من 20 ارهابيا، في حين أصبح الحديث الآن عن مئات من الإرهابيين وعلى مستوى عال من التدريب. والسؤال الاول هنا: لماذا كان التحرك منذ البداية محدودا؟ ولماذا كانت المعلومات شحيحة وخاطئة؟
لقد تحدث البعض غن غياب جهاز المخابرات العسكرية والدور الذي كان يمكن ان يقوم به في مواجهة مثل هذه التحركات الارهابية التي تهدد الامن الوطني، كما حمل البعض الاقيادة السابقة للجيش المسؤولية عن التهان وعدم التعامل مع تلك التهديدات بالجدية المطلوبة. ويبقى الأمر في حاجة الى توضيح وقراءة من عدة زوايا لمعرفة حقيقة جبل الشعانبي وما حدث فيه طيلة الأشهر الماضية.
لغز الشعانبي كما يقول المحللون لن يظل طويلا طي الغموض، ولكن الوضع الدقيق الذي تمر به البلاد يحتاج الى حسم سريع وتام لتوفير مناخ مناسب للمسار السياسي الديمقراطي وللمسار الاقتصادي التنموي ونعتقد أن مؤسستنا العسكرية قادرة على تحقيقه.