يمكن لنا أن نتساءل وبالذات في هذه المرحلة عن ماهية الإسلام السياسي وتحليل البعد التاريخي والإجتماعي كنظام للحكم والحوكمة. ولربما طرحنا ايضا في إطار علم المقارنة إذا كان هناك تنوع او تعدد الفضاأت داخل النظام الإسلامي، مثل الإسلام الثقافي ، الإسلام الإجتماعي، الإسلام الإقتصادي والإسلام السياسي. وهل هناك ترابط بين هذه النظم ام هي مجرد دوائر مجرّدة لا تتأثٌر ببعضها وليس لها أحكام ولا قواعد لتطويرها.
إذا إقتنعنا جدلا أن الإسلام شامل ويضع الإنسان في قلب إهتماماته فإنه حتمًا سيعتني بهذا الكائن من كل الجوانب ( الثقافي ، الإجتماعي، الإقتصادي، المادي والروحي) في بيئته الطبيعية والمتغيرات المناخية، وبالتالي فإن الإسلام كخيار حضاري قابل أيضا في كل هذه المجالات للتكيف والتطور نحو إيجاد مناخات وأنظمة تلبي حاجات هذا الكائن الحي والمتطور.
الإسلام السياسي ونظام حكم:
إذا اردنا ان نسلط الضوء على النظام السياسي في الإسلام فإنه لا بد ان نذكر ولو بعجالة كيف كان نظام حكم اربعة عشرة قرن خلت. ولربما اوجزنا تاريخ هذا النظام في حديث نبوي معبر ومختصر لكل هذه المرحلة من التاريخ الإسلامي “تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت ” رواه أحمد” وهذا الحديث الشريف يؤدي بنا الى خلاصة نظرية ونتيجة بديهية ان نظام الحكم لم يتطور عبر كل هذه القرون ولم يفرز رغم الفترات التارخية المستنيرة التي مرت بها الخلافة الإسلامية خاصة منها الخلافة العباسية وتطوير العلوم المنطقية والتجريبية والفلسفة خلال فترة حكم المسلمين بالأندلس أو فترة الخلافة العثمانية التي إستطاعت ان تنفذ إلى قلب اوروبى ، لكن رغم هذا التداخل بين المسلمين و غيرهم من الأمم لم يفلحوا في تطوير نظام الحكم بشكل عام وهو ما عُرّف بالمصطلح المعاصر “الإسلام السياسي”، وحيث لم تستطع النخبة السياسية والطبقة المثقفة في تلك المرحلة، في وضع قوانين وآليات تؤسس لنظام تلبي حاجيات المرحلة ويحافظ على التوازن بين الحاكم والمحكوم، بين التشريعي والتنفيذي . بالمقابل إستطاعت اوروبا وخاصة منها القوى العظمى مثل فرنسا إبّان ثورتها 1789 ان تطوّر نظام الحكم عندهم ليجعلوا منه القاعدة الأساسية لثورتهم العلمية الصناعية والإجتماعية .
ومن أهم خصائص هذا النظام هو فصل المؤسسات عن بعضها مما يجعلها في مؤمن من تأثير المشرع او الحاكم وقدرته ايضا على وضع قوانين فاعلة تُحدد دور كل مؤسسة وأهدافها وتتطور هذه القوانين حسب حاجيات الفرد والمجتمع.
فالإسلام السياسي الحديث بحاجة إلى عدة مراجعات منها خاصة وضع إطار عام
لتحديث القوانين سواء كانت وضعية من إجتهاد الإنسان او قدسية التي لها دور في الحفاظ على فطرة هذا الكائن والبيئة بشكل عام .
فنظام الفرد كنظام “الملكية” يمكن إعتباره قد تغير في البلدان المتقدمة مثل بريطانية وإسبانيا والدنمرك و غيرها من الدول التي أحدثت شكلا جديدا يتماشى و طموحات شعوبها وتشريكم في الحياة السياسية.
فنحن نرى أنه لا بد من الفصل في هذا الإطار من النظام الإسلام السياسي بين المعرف بالمقدس “وهو غالبا ما يتبنّاه الفرد” وبين ما هو وضعي من إجتهاد الإنسان و المجموعة. حيث يكون موقع الحاكم ليس بالمقدس ولا يمكن له إضفاء اي شكل من اشكال الشرعية القدسية حين ينتخبه الشعب. فهذا الأخير يصبح هو المصدر لتقييم الحكم من خلال المؤسسات الفاعلة. وبعبارة أخرى تُقيّم السلطة لا من خلال إنتماءها الإجتماعي الديني بل من خلال قدرتها على إنجاز مطالب شعبها.
فدول ثورات الربيع العربي وشعوبها والتي مالت في إختياراتها الأولى إلى التيار الإسلامي “الإسلام السياسي” ومزجت بين الإنتماء الديني والحداثة، مطالبة بوضع أسس جديدة تحول دون رجوع الحكم الفردي والإستبداد كان علمانيا او دينيّا.
د. احمد البرقاوي رئيس مركز الأبحاث والدراسات الإستراتجية للعالم العربي بباريس
لتحديث القوانين سواء كانت وضعية من إجتهاد الإنسان او قدسية التي لها دور في الحفاظ على فطرة هذا الكائن والبيئة بشكل عام .