في فترة الأزمات، والحالات الاستثنائيّة، معيار قياس النجاح والفشل هو الصمود والمحافظة على أكبر قدر من المكاسب، وتخفيف الأضرار قدر الإمكان، والسعي للنأي بالبلاد والعباد عن كل حدث أو حوادث قد تمثّل في المدى القريب أو البعيد تهديدا لكيانها ووجودها ووحدة ترابها، أو كل ما يمسّ من أمن المواطنين أو يضرّ بالنسيج الاجتماعي، ومن يتحدث عن إنجازات اقتصاديّة وخوارق يَفترض أن تتحقق في ظرف سنتين، كان عليه أن يستحضر مناخ الإضرابات والاعتصامات وقطع الطرق، بالإضافة إلى ما شهدناه من هجمة للإرهاب على التجربة التونسية الوليدة. لقد زرع البعض في تلك الفترة التي حكمت فيها الترويكا مناخا من الكسل والمطلبية والتجاذب الحزبي والجهوي والايديولوجي ما كان يمكن معه أن تسقط الدولة، ولكنها ظلت واقفة.
مناخ شهد من الإضرابات ما حقق الأرقام القياسيّة، بل إن كل طرف سياسي أو اجتماعي لا يجد وسيلة يبعث من خلالها رسائله المشفرة والواضحة إلا عبر الإضرابات وقطع الطرقات وإرباك الدورة الاقتصادية، ووصل الأمر إلى إعلان الإضراب العام مرتين في سابقة تاريخيّة لم تشهد لها تونس مثيلا.
لم تكن هذه التحديات غائبة عن حكومة الترويكا، فوضعت أولويات حماية كيان الدولة والنأي بالبلاد عن التجاذبات السياسيّة قدر المستطاع، ولم تجد ماكينة الإرباك غير الاستثمار في دماء شهداء الإرهاب وإدخال البلاد في أتون المعارك الحزبية والهووية المزيفة، وتهميش القضايا الاقتصادية، وكل ما يتعلق بالمقدرة الشرائية للمواطن التي إن وقع التطرق إليها فمن باب المزايدة وتسجيل المواقف وليس من باب الاقتراحات والبحث عن الحلول.
ليس خافيا حجم الخسائر التي شهدتها البلاد بسبب ماكينة التعطيل والإضرابات، والتي وصلت في شركة الفسفاط وحدها إلى أكثر من 2000 مليار، كما أنه ليس خافيا ما تحقق خلال حكم الترويكا من تشغيل، إذ لم تتوقف المناظرات في مختلف الوزارات، كما تحققت زيادات غير مسبوقة في الوظيفة العمومية ولمختلف القطاعات تقريبا، وليس خافيا ما تسبب فيه التهريب من نزيف للاقتصاد، ولم يكن سرّا أن الكثير من سلعنا وموادنا الأولية وغيرها ذهبت إلى الشعب الليبي الشقيق، فكانت تونس تعول شعبين رغم الظرف الاقتصادي العالمي الدقيق. ورغم كل تلك التحديات استطاعت حكومة الترويكا أن تتحدّى وتصل بتونس إلى الاستقرار النسبي، فنقلت نسبة النمو من 2 سلبي في عهد حكومة السبسي إلى أكثر من 3 إيجابي.
الكثير اليوم ممن يتباكون على حال الاقتصاد شاركوا في تدميره بشعاراتهم وإضراباتهم وعدم مسؤوليتهم، وتاجروا بآلام التونسيين، ولكنهم خسروا وربحت تونس بصمودها.
إن التحدي الاقتصادي الذي تعيشه تونس حقيقة، وإن سقوط قيمة العمل من اعتبارات الأحزاب والتونسيين جميعا حقيقة أكثر مرارة، ولكن هذا الشعب قادر على تحقيق المعجزة السياسية والاقتصادية إذا وضعنا اليد في اليد وتجاوزنا عقلية القبيلة والطفولة السياسية.
الصادق الصغيري