لا يحق لي الإستفتاء حول تأجيل المؤتمر الإستثنائي لحركة النهضة لكوني لا أحمل بطاقة انخراط تنظيمي ـ اخترت الانخراط في جوهر معركة المعاني والأفكار وفي جوهر المشروع الإحيائي الإستنهاضي التحرري ـ
ولكني أجد شعورا بالمسؤولية في إبداء الرأي من باب الإشارة والنصح: ثم إنني لا أريد أن يكون رأيي مجرد إشارة غير معللة ضمن صياغة استفتائية تحتكم للأرقام على قاعدة الأغلبية والأقلية كما هو معمول به في الديمقراطيات التقليدية.
ـ مؤتمرات كل الأحزاب هي محطات لإعادة “التموقع” وتحسين الترتيب القيادي الزعاماتي حتى وإن كان الحزب عقديا رساليا…. إعادة التموقع تقتضي خوض منافسات وتدافعات بما تقتضيه من ذكاء ودهاء ومكر … وما يترتب عنه من توليد مشاعر جديدة سيكون لها بالـتأكيد أثرها في الأنفس وفي الوشائج المؤلفة بين عناصر الحزب أو الجماعة.. تلك طبيعة بشرية لا تنال من نضالية أصحابها ولا من صدقيتهم وقيمهم.
ـ المؤتمر سيكون فيه استنزاف لطاقات مادية وذهنية وجسدية وسيكون فيه إرباك ل “حالة” الحركة بما هي عليه الآن من بِنيةٍ وهيكلية تستطيع أن تخوض بها “المعركة المصيرية” القادمة / معركة الإنتخابات وما سيترتب عنها من “موضعة” الحركة في مستقبلها السياسي والإجتماعي والثقافي والأمني.
ـ نتائج المؤتمر ـ إذا ما حصل قبل الإنتخابات ـ ومهما تكن ستنعكس بكل تأكيد سلبيا على أداء الحركة في المعركة الإنتخابية ـ يمكن تدقيق التفاصيل ـ.
ـ أرجح أن من مصلحة النهضة هيكليا وسياسيا التفرغ الكلي لمعركة مصيرية يتحدد وفق نتائجها مستقبل الحركة والبلاد فحركة النهضة ليست ملك نفسها ومستقبلها لا يخصها كتنظيم وأفراد منتظمين وإنما هي ملك التونسيين وملك الكثير من أحرار الأمة الذين يراقبون تجربتها وينتظرون نجاحاتها حتى تقدم صورة إيجابية عن الإسلام السياسي وقدرته على بناء الدولة المدنية يتعايش فيها جميع المواطنين على قاعدة “المواطنة” وعلى مبدئي الحقوق والواجبات.
“معركة” المؤتمر معركة تنظيمية داخلية يمكن تأجيل خوضها دون أن يترتب على ذلك آثار خطرة ودون أن تتبدل فيها مكانات الأشخاص وملامحهم وصورتهم عند المتابعين والمنتمين للحزب أو الحركة.
أما معركة الإنتخابات فمعركة مستقبلية ومصيرية للجميع خاصة في ظل مخطط داخلي وخارجي لإجهاض تجربة الإسلام السياسي التي ظهرت ضمن تجليات “الربيع العربي”… ثمة استعدادات جبارة لدى أطراف مقتدرة ومجربة لصناعة “هزيمة مذلة” للإسلاميين في الإنتخابات القادمة ولمنع عودتهم للحكم لا منفردين ولا متوافقين مع غيرهم كما حصل في الفترة السابقة.
ـ اللجوء إلى الإستفتاء تعبير عن وجود خلاف في تقدير موضع المصلحة وتعبير أيضا عن وجود رغبات متناقضة وتعبير عن رغبة في توزيع مسؤولية القرار بين “الجماهير” لا فقط تحقيقا لمبدأ الشورى وإنما أيضا وأساسا تخففا من عبء قرار يرقى إلى مستوى “الخطورة” السياسية.
ـ الإستفتاء في الحقيقة ليس آلية للإحتكام في القضايا المصيرية إنما “الشورى” هي الآلية المجدية العاقلة والحقيقية لأن الإستشارة تكون لأصحاب الرأي والرؤية من رجحاء العقل ومن الملمين بالشأن العام وبطبيعة المرحلة… الإستفتاء ليس أكثر من احتكام ل”أصوات” لا نعلم مبرراتها ولا دوافعها ولا طبيعة لحظتها خاصة في ظل غياب الرؤية وفي ظل القتامة السياسية التي تمر بها البلاد حاليا وما يُحاك أكبر وأعقد من أن يكون في متناول العموم.