كثفت الأحزاب السياسية من اجتماعاتها في الجهات، إذ تتكرّر أسبوعيا اجتماعات شعبية، وخاصة لأحزاب النهضة ونداء تونس والجمهوري والجبهة الشعبية والتكتّل فيما بدا حملة انتخابية مُبكّرة، وتتواصل مشاورات مختلفة في عدّة مقرات حزبية لتشكيل رؤية موحّدة بين بعض المكونات الحزبية لتشكيل جبهات انتخابية، أو في أدنى الحالات إحداث خطط وبرامج انتخابية مشتركة. بعض الأحزاب لم تخف اهتمامها المبكر بالاستحقاق الانتخابي، ومنها النهضة ونداء تونس والجبهة الشعبية والجمهوري، وهو ما انعكس على كلمات زعمائها وتجوالهم في المدن والقرى والشحنة “الانتخابية” التي يبثونها بين أنصارهم ومحاولة تحميل الخصوم السياسيين مسؤولية الصعوبات التي عاشتها أو تعيشها البلاد منذ الثورة، بالإضافة إلى عرض الخطوط العريضة لبرامجهم الانتخابية ورؤيتهم المستقبلية للتجربة الديمقراطية في تونس.
هذه الاجتماعات المتكررة والمتواصلة وإن غابت عنها أغلب الأحزاب الصغرى، فإنها تكتسي أهمية بالغة؛ لأنها تمهّد لثاني تجربة انتخابية شفافة بعد الثورة، وربما أهم محطة انتخابية في تاريخ تونس ستؤسس لنموذج تونسي ديمقراطي حلمت به أجيال من التونسيين. كما أنها تعيد الصراع السياسي إلى أصوله السلمية، وتبعد البلاد أكثر فأكثر عن أجواء الشحن والانقسام والتآمر والتجاذب والتطاحن خارج إطار التنافس الانتخابي الذي يحتكم إلى نتائج الصندوق كخيار وحيد لحسم الخلافات السياسية والحزبية، وكخيار وحيد لبناء دولة مستقرة وديمقراطية تعلي من شأن المواطن وتقدّس الحريات.
هذه الاجتماعات الحزبية ذات الطابع الانتخابي ستتواصل حسب العديد من المؤشرات، ومنها ما أعلنت عنه بعض الأحزاب من برامج واحتفالات ولقاءات جماهيرية وزيارات سيكون بعضها بمناسبة 20 مارس ذكرى الاستقلال. ورغم النفور الذي أصاب الكثير من التونسيين من العمل السياسي خلال الفترة الماضية بسبب الهزّات الأمنية والاتهامات المتبادلة بين الفاعلين السياسيين، فإن هذه الهبّة الحزبية الانتخابية المبكرة سيكون لها أثر إيجابي إذا تواصلت بشكل حضاري وسلمي. وأول هذه الآثار الإيجابية سيكون على صورة تونس في الخارج وإعطاء انطباع حقيقي عن الانطلاق في بناء تجربة ديمقراطية جديدة، وثاني هذه الثمرات الإيجابية لهذا الحراك الحزبي السلمي على الجانب الاقتصادي وخاصة الاستثمار، حيث يفضّل الكثير من المستثمرين الدول التي تبني تجربتها على التعدد والحريات والاستقرار المبني على تجربة حضارية سلمية. كما سترسّخ المنافسة الانتخابية السلمية الحضارية تلك الصورة التي وصلت إلى العالم عن عبقرية الشعب التونسي في إنجاز ثورة سلمية، وعن عبقريته أيضا في تجاوز أزمته السياسية بحوار وطني وبتوافق وطني كان من ثماره دستور ديمقراطي ما زال العالم يشيد بمزاياه وإيجابياته.