قصر الجم أحد عجائب تونس الثقافية والسياحية والتراثية، وهو رمز معماري عالمي والثاني من نوعه في العالم، حيث يوجد مثيل وحيد له في العالم يقع في روما ، ويتميز بشكله الدائري الكلي، وهو الوحيد الذي مازال قائما كما بناه الرومان منذ ما يفوق الألفي سنة، إذ لم تتغير معالمه الأصلية كثيرا. ويعتبر قصر الجم مفخرة تاريخية عجيبة ومكانا جاذبا للسياح والباحثين في عمق التاريخ، ومعلما لم يكشف عن كل أسراره بعد.
القصر والكولوسيوم
في الجم يقع المعلم الروماني الأكثر مهابة على الإطلاق، حيث ينتصب هيكله الدائري الضخم في سهل صحراوي ممتد الأفاق يمكن رؤيته على مسافة بعيدة جدا، خاصة أن البلدة التي انتشرت حوله تجنبت البناءات العالية. وهو أيضا من بين الآثار الشبيهة به احسنها حفظا رغم عاديات الزمن الكثيرة التي أصابته خصوصا قنبلته بالمدفع في أواخر القرن السابع عشر لإجبار قبيلة متمردة احتمت به إلى الخروج منه، وهو ما تسبب في ثغرة كبيرة في احد جوانبه.
لهذا المعلم شكل شبه اهليلجي ويبلغ طوله 149م، وعرضه 124م، وارتفاعه 36م، أما مدارجه، التي لم يبق منها شيء اليوم ولكن تمت اعادة تشكيلها جزئيا، فقد كانت تتسع لثلاثين الف متفرج، وهو ما يجعل هذا المبنى يحتل المرتبة السابعة بعد مدرجات روما وكابونا وميلانو واوتون وفيرونا وقرطاج. ويبلغ طول الحلبة في محورها الاكبر 65م. ويخترقها تحت الارض رواقان عريضان كان يدخل منهما الممثلون ويؤتى بالسباع الضارية والآلات. وكان يمكن أن تأويها مجموعتان من ثماني حجرات سردابية. لقد ظل مدرج الجم (أو الكولوسيوم) منحصرا مدة طويلة في دوره كمعلم تاريخي، إلا انه منذ حوالي عقدين أضحى يستعمل كفضاء ثقافي فيستقبل في الصيف مهرجان الموسيقى السمفونية بالجم واكتشافات 21 وغيره من التظاهرات الفنية الأخرى.
سرداب من الجم إلى قرطاج
والقصر قديما كان مخصصا للحلبات الاستعراضية ( كقتال رجل للأسود المتوحشة، أو صراع وحوش مع بعضها، أو قتال فرسان ضد بعضهم لاغراض السلطة..) وكان الشعب والنبلاء في تلك الايام يجلسون ويشاهدون تلك الاستعراضات.
هذا قديما أما اليوم فبات قطبا سياحيا هاما في تونس..فبالإضافة إلى أهميته التاريخية صار ركحا لأشهر الفنانين والموسيقيين العالميين.
وما يميز القصر أيضا، سرداب قائم في أسفله مازال إلى اليوم يعيش حفريات دائمة نظرا لكون كنوزه كثيرة وعديدة لم يتم الكشف عن معظمها إلى حدّ الآن، وعن السرداب قال علماء الآثار انه يربط بين قصر الجم وقرطاج مرورا بمدينة سوسة (أي أن طوله أكثر من 170 كيلومترا) استعمله السكان القدامى للجم أيام الحروب لجوء ا إلى قرطاج والبحر.
المتحف ودار افريكا
وللجم متحف عريق يوصى بزياته من قبل المختصين، وذلك قبل الاطلاع على اثار مدينة «ثيسدروس» العتيقة التي تسمى اليوم الجم، نظرا لكونه يحتضن عدة عناصر معمارية كانت ضمن زخارف المساكن الفخمة والبنايات العمومية بهذه المدينة، كالتبليطات الفسيفسائية الرائعة التي تعد من أجمل ما خلفته العصور القديمة الرومانية. والمتحف مقام في موقع منزل روماني، ويتكون من: صحن مركزي تحيط به باحة معمدة تفتح على الغرف، التي نجد فيها المنحوتات واللوحات الفسيفسائية والخزفيات..وهي كنوز متأتية من حملات الحفريات المنجزة في ثيسدروس وكذلك في ضواحي المدينة. هذا وقد أثري الفضاء مؤخرا بجناح جديد يصور تصويرا بليغا ثراء الصناعات في العهد الروماني وتنوعها، ويفتح المتحف مباشرة على «منتزه اثري» يتضمن أثار منزل يدعى منزل الطاووس وسولرتيانا، وهو مسكن فخم من مساكن الاشراف حفظ فيه على عين المكان عدد كبير من تبليطاته الفسيفسائية. وفي نفس المساحة، أعيد تشكيل «دار افريكا» بحجمها الحقيقي، وهو منزل ارستقراطي فخم شيد حوالي سنة 170 ميلادي واكتشف صدفة في التسعينات. ولقد سمي بهذا الاسم لوجود لوحتين من الفسيفساء رسمت في وسطها- داخل حلية بيضوية- الربّة أفريكا مرة، وولاية افريقيا مرة أخرى، ولا تعرف تمثيلات غيرهما للقارة الافريقية.