النهضة تستفتي أبناءها
محمد فوراتي
كان هذا هو الشعار أو العنوان الذي قدمت به حركة النهضة حدث الاستفتاء الداخلي الذي تنظمه بداية من اليوم ولمدة ثلاثة أيام حول تنظيم مؤتمر استثنائي من عدمه. ورغم المحاولة الظاهرة في الساحة الإعلامية والسياسية للتقليل أو تجاهل هذا الحدث فهو من الأهمية بمكان حيث يبرز أهمية حركة النهضة في المشهد السياسي التونسي، ويكشف عن جانب من رؤيتها الداخلية وطريقة تسييرها لدواليب الحزب، وكيف انها تختلف عن الكثير من الأحزاب الأخرى في الممارسة الديمقراطية الداخلية. الاستفتاء الذي نتحدث عنه سيشارك فيه ما يربو عن 100 ألف منخرط في جميع قرى ومعتمديات ومحليات تونس من جنوبها إلى شمالها وبتنظيم محكم وباشراف مباشر من مجلس الشورى ومتابعة اعضائه واشرافهم المباشر على مراكز الاقتراع.
ورغم أن العملية تحتاج الى استعدادات مادية ولوجستية مهمة فإن بعض الأسابيع كانت كافية لحركة النهضة لتنظم هذا الاستفتاء وبمشاركة واسعة كما تبين ذلك عمليات التسجيل الإرادية للمنخرطين. ويعكس هذا الاستفتاء الذي يعتبر الأول حسب علمنا على مستوى القطر والعالم العربي وربما القارة الافريقية على مستوى الأحزاب التطور الفكري والتنظيمي الذي بلغته حركة النهضة رغم سنوات الاستبداد التي عاشتها ومطاردة مناضليها على مدى سنين طويلة ورغم ما لحقها من حملات تشويه ومحاصرة بعد الثورة وخلال مشاركتها في الحكم. وهذا الكلام ليس مجانيا آو مرسلا فهناك احزاب أقدم من النهضة وأخرى تقدم نفسها على أنها تقدمية وحداثية لا يتطلب منها قرار تأجيل مؤتمر او ترشح قيادي فيها إلى منصب او أي قرار آخر سوى قرار فردي بجرة قلم بدون الرجوع للقواعد حتى وان كان في شكل استشارة فضلا عن الاستفتاء. بل ان بعض الأحزاب عندنا وفي دول أخرى لا يعلم منخرطوها بقرارات مهمة إلا بعد مدة وبشكل فجئي.
وهنا اعتقد ان حركة النهضة فاجأت المراقبين والساحة السياسية مرة أخرى بأنها تتقدم أشواطا في الممارسة الديمقراطية على احزاب اخرى كثيرة، تدعي الديمقراطية وتشريك القواعد. وما لا يعلمه الكثير أن النهضة مارست آلية الاستفتاء حتى وهي في السرية في أكثر من مناسبة، ونجحت في ذلك رغم الحصار الأمني. وهي اليوم تؤكد هذه الحقيقة، على انها حركة مدنية جماهيرية تحترم قواعدها وتدفع باتجاه تحويل الديمقراطية الداخلية إلى ممارسة حقيقية ويومية.
من المؤكد أيضا أن النهضة ستربح الكثير من هذا الاستفتاء الداخلي غير المسبوق فهي تقوم بتمرين تطبيقي استعدادا للمواعيد الانتخابية القادمة، وهي تقوي بذلك اللحمة الداخلية، وتقترب أكثر من أبنائها في مختلف جهات البلاد، كما انها تدرب كوادرها وقواعدها على العمل الجماعي والديمقراطي والتشاركي في أكبر استفتاء داخلي لحزب عربي، وسيكون هذا درسا بليغا للكثير من ألسن السوء هناك وهناك، واشارة ساطعة على أن النهضة قوية وستبقى قوية بابنائها وبروح الحوار والديمقراطية داخلها وهذا ما ستؤكده الايام القادمة.