يتنادى حكماء تونس منذ انقضاء أزمة الحكومة والدستور من أجل الوفاق بين مختلف ألوان الطيف السياسي وتجاوز الصراعات العقيمة والنظر إلى المصلحة العليا للبلاد والإيمان بأنّه لا يمكن لدواليب الاقتصاد أن تسير دون وفاق سياسي كما لا يمكن تخفيف الاحتقان الاجتماعي دون خطاب سياسي مسؤول من طرف مختلف الفرقاء السياسيين.
إنّ الاحتقان السياسي طريق إلى العنف والوضع في دول الجوار مفتوح على عدّة احتمالات. كما أنّ تونس ليست دولة نفطية لتتحمّل طول الأزمات وعلى الجميع أن يلتفوا حول الوطن في هذا الظرف العصيب لتذوب المصالح الحزبية أمام المصلحة الوطنية ولا يسمح المجال اليوم لكسب النقاط على الخصوم السياسيين مهما بلغت الاختلافات وهي طبيعية في الديمقراطية لكننا نعيش فترة انتقالية تأسيسية تتطلّب قدرا من المسؤولية السياسية. والخوف كلّ الخوف أن ينفضّ التونسيون من حول الطبقة السياسية بعدما أثبتوا أنهم مازالوا لم يتجاوزوا صراع الإيديولوجية والحزبية الضيقة
يجب أن يسمو الخطاب السياسي فوق لغة الشيطنة والتخوين والعرقلة والمؤامرة وإلقاء المسؤولية على الآخر لإضعافه ونشر الفتنة والكراهية بين التونسيين وهدم عرى التعايش والتسامح في المجتمع التونسي، بما تشعله من نيران الخلافات وما تبتكره من وقائع وأحداث الاطلاع عليها من شأنه أن يهدم الجسور ويزرع النفور ويقود إلى ما هو أسوأ من الواقع الراهن بانكساراته وتمزقاته. وعلينا أيضا أن نتجاوز صراع الصالونات الفخمة والترف الفكري إلى مجابهة غلاء الأسعار وكيفية تهيئة الطرقات في الشمال والجنوب الغربي وتشغيل العاطلين و زرع الأمل للأجيال القادمة، هذه هي انتظارات التونسيين الحارقة اليوم وهذه آمالهم الحقيقية.
يقينا الصراع السياسي مشروع بل هو مطلوب في الديمقراطية لكن المفروض أن يكون صراع أفكار وبرامج وتنافس لخدمة الشعب التونسي ومصالحه والاقتراب من تطلعاته ومشاغله بعيدا عن الشعارات الثورجية الزائفة والقدح الشخصي للخصوم السياسيين وتجريحهم وهتك أعراضهم.
التنافس السياسي مطلوب ولكن ليس على حساب مصلحة الوطن، والتباري من اجل الوصول للحكم من ابجديات العمل الديمقراطي ولكن ليس على حساب انتظارات الشعب ووحدته.
نحن اليوم بأمس الحاجة إلى عملية فرز حقيقي للقوى السياسية الوطنية المؤمنة بعلوية الوطن وبقداسة انتظارات الشعب والتي لا تعطي الدنيّة في الوطن وتنتصر لمصلحة البلاد العليا وتساهم في عزل المغامرين والمقامرين بمصلحة الوطن وتعمل على تأمين ما تبقى من هذه المرحلة الانتقالية حتى الوصول إلى انتخابات حرّة ونزيهة تؤسس لمرحلة المؤسسات الشرعية الدائمة وتضمن الاستقرار السياسي والاقتصادي.