ذكر الكاتب المصري الشهير محمد حسنين هيكل في كتابه “مدافع آية الله . قصة إيران والثورة ” أن الثورة الإيرانية كانت فاجأت المخابرات الإسرائيلية “الموساد”, فقد استعدّ لها الإيرانيون بدقة وفي كنف السرية، فعند اندلاعها سنة 1979 لم يستطع إيقافها لا جيش الشاه الذي كان يملك أحدث الأسلحة الأمريكية ولا حتى أمريكا نفسها التي وقع إذلالها إبان هذه الثورة الإسلامية؛ فقد وقفت وزارة الدفاع الأمريكية عاجزة عن إجلاء رعاياها، وقد وضع الخميني زعيم هذه الثورة السفارة الأمريكية بكل من فيها تحت تصرف الطلبة. الأكيد أن هذا الجرح يذكر الأمريكان بحرب الفيتنام.
نجاح الثورة الإسلامية في إيران أربك السلط العربية, لقد أحس الرؤساء والملوك العرب أن كراسيهم في خطر؛ فهم من ناحية تابعوا انهيار عرش الشاه الصديق القوي للأمريكان على يد الإسلاميين، ومن ناحية أخرى يعرفون أنه ثمة صحوة إسلامية تغزو بلدانهم كان قد أسسها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. فكر العرب إذن في وقف انتشار هذه الثورة أو ما أطلقوا عليه آنذاك اسم تصدير الثورة الإيرانية, فما انفكت أن اندلعت الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980 ودامت ثماني سنوات.
أجتاحت إسرائيل لبنان سنة 1982, فسمح صدام حسين مكرها لآلاف المتطوعين الإيرانيين بعبور التراب العراقي والانضمام إلى جبهة المقاومة اللبنانية، وبذلك يكون الإيرانيون قد اقتربوا من إسرائيل, تأسس إثر هذه الأحداث حزب الله، وهو تنظيم سياسي عسكري شيعي هدفه مقاومة الوجود الإسرائيلي في لبنان، ويتلقى تزويدا بالسلاح من الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وفعلا في شهر ماي من سنة 2000 أجبرت المقاومة الشرسة لحزب الله الجيش الإسرائيلي على الانسحاب من جنوب لبنان, وفي سنة 2006 قامت حركة المقاومة الفلسطينية الإسلامية حماس بأسر جندي إسرائيلي، فوجهت الدولة العبرية الآلة العسكرية بكل ثقلها تجاه غزة معقل حماس، وشرعت في تمشيط المنطقة بحثا عن الجندي الأسير, ساند حزب الله إخوانه السنيين حركة حماس، فقام هو الآخر بأسر جنود إسرائيليين حتى يفكّ الحصار عن غزة، ويغير وجهة الصراع. فاندلعت الحرب بين إسرائيل وحزب الله.
كان العرب مقتنعون بأن الدولة العبرية تملك جيشا لا يهزم، بل هناك من تحدث عن عدم صمود الجيوش العربية مجتمعة أمام عسكر إسرائيل, زعيم حزب الله حسن نصر الله وبجيش لم يمرّ على تأسيسه عقدين من الزمن كذّب كل هذه الأقاويل, فقد لقّن اليهود درسا في القتال لن تنساه إسرائيل أبدا, فإسرائيل في متناولنا، ولا فائدة في الركض وراء حلّ سلمي للقضية الفلسطينية.
وكما أذلت الثورة الإيرانية أمريكا أو كما يسمونها “الشيطان الأكبر”, ها هي إيران تصفع الابن المدلل للولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل عن طريق ذراعها في لبنان حزب الله.
شعرت الدولة العبرية إثر هذه الحرب أن أي علاقة أو اتفاق بين السنة والشيعة، على غرار علاقة حزب الله بحماس سوف يعرض دولتهم إلى الخطر, فكر “الموساد” في الطريقة الميكافيلية بخلق صراع بين المذهبين السني والشيعي اعتمادا على الخلاف التاريخي الديني العالق بينهما.
نجحت المخابرات اليهودية في التفريق بين الشيعة والسنة, كما التفريق بين فتح وحماس، فقد اشتدّ الصراع بينهما في العراق، وتمت محاصرة احتجاجات الشيعة في البحرين، وصارت الكراهية هي العلاقة التي تربط بين السني والشيعي.
أبناء حسن البنا وسيد قطب لم تنطل عليهم هذه الحيلة، فخبرتهم جيدة في الميدان السياسي, إذ إثر تولي محمد مرسي رئاسة مصر سنة 2012 عن طريق انتخابات حرة ونزيهة صرح أنه سيتجه إلى إيران قصد إبرام معاهدة دفاع مشترك حتى يخلق توازنا استراتيجيا في المنطقة. هذا التصريح لم يعجب اليهود ولا الأمريكان, لقد فهموا أن مصر صارت جارا مزعجا.
قام الجيش المصري سنة 2014 بانقلاب على هذه الحكومة الشرعية، وبذلك يكون الشعب المصري قد خسر ثورته التي ضحى من أجلها.
وتبقى اليوم تجارب الانتقال الديمقراطي في المنطقة عرضة للتآمر السري والخبيث بسبب وجود الكيان الصهيوني في المنطقة وهو ما يتطلب وعيا جديدا ربما بدايته الربيع العربي الذي مازال جنينيا، وربما تكون المصالحة الفلسطينية بين غزة ورام الله أحد مظاهره التي يجب دعمها حتى يشتد عودها.