كانت زيارة رئيس الحكومة إلى فرنسا على درجة كبيرة من الأهمية، وربما تكون فاتحة عهد جديد في العلاقة بين الدولتين على أسس متينة وفي احترام تام للقرار الوطني التونسي، وبما يحفظ مصالح الدولتين، بعد ما شابها من برود وحذر منذ الثورة وفرار المخلوع.
ويبقى هذا الكلام مرتبطا بالإرادة السياسية للدولتين، وبتوفير شروط العمل المشترك، وبكيفية معالجة الحكومات القادمة لملف التعاون وتطوير العلاقات مع فرنسا التي تعتبر بوابة أوروبا، وشريكا اقتصاديا مهمّا لتونس في الحاضر والمستقبل.
التأكيدات والوعود التي أطلقها المسؤولون الفرنسيون لا سيما رئيس الحكومة فرنسوا هولاند والوزير الأول مانويال فالس، والتي تتعلق عموما بدعم فرنسا للتجربة التونسية والمساعدة على إنجاحها، على غاية من الأهمية، ولكن يجب أن تعقبها أفعال على الأرض، ففرنسا لم تقدم إلى الآن مساعدة كبيرة للتجربة التونسية، وكان تعاملها مع حكومات ما بعد الثورة حذِرا، بلا مساعدات تذكر مقارنة بدول أخرى مثل أمريكا وألمانيا وتركيا وقطر والهند والصين وغيرها.
وإذا كانت فرنسا تدرك جيدا أن تونس تحتاج إلى مساعدات اقتصادية مهمة في هذه الفترة، وأن لديها مصالح مهمة مع تونس، وأن تونس بموقعها الاستراتيجي وبوعي نخبتها السياسية يمكن أن تكون نموذجا للاستقرار والديمقراطية، وأن الشعب التونسي منفتح على فرنسا ومتمسك بهويته العربية الإسلامية، فإن هذه الزيارة وما سيتبعها يمكن أن تفتح آفاقا جديدة للعلاقات التونسية الفرنسية، تكون استراتيجية ومبنية على الشراكة واحترام السيادة الوطنية.
ويعتبر قرار تنظيم مؤتمر اقتصادي في تونس بحضور فرنسي بارز في الصيف القادم فرصة جيدة لدفع الاستثمار الفرنسي، وإعطاء نفس جديد للتعاون بين رجال الأعمال من الدولتين، والمساهمة بشكل فعّال في المجهود التنموي لتونس في السنوات القادمة.
وعلى الطبقة السياسية بما فيها الحكومة التي ستخلف حكومة مهدي جمعة أن تعمل على تطوير هذه العلاقات، انطلاقا من جبهة داخلية موحدة وقوية، تحترم هويتها واستقلالها الوطني، وتطمح إلى بناء شراكة اقتصادية مع الدول الصديقة بشكل سليم وليس بعقلية التبعية. وستساعد صورة تونس الجديدة ونجاحها في نحت تجربة فريدة في الانتقال الديمقراطي والوفاق الوطني في التأسيس لشراكات متينة من هذا النوع لا تكون عرضة للأمزجة والتحولات السريعة، بل تكون استراتيجية، وتعكس ثراء وتلاقح مختلف الحضارات الإنسانية وتعاونها على مختلف الأصعدة.
ويبقى كلّ نجاح تحققه تونس على خطّ التجربة السياسية الوليدة أو في بناء علاقات تعاون مثمر مع الشعوب الصديقة، أو في تخطّي الصعوبات الاقتصادية وحماية الثروة الوطنية، إنجازا لا يجب التقليل من شأنه، بل يجب الانطلاق منه والبناء عليه حتى تستوي هذه التجربة وتفخر بها أجيالنا القادمة.