شنّ رموز اليسار ومواقعه الافتراضية حملة شعواء على الحزب الجمهوري، ونعتوه بأبشع النعوت؛ من عمالة وعقد للصفقات تحت الطاولة وبيع الذمة وخيانة المشروع الحداثي وغيرها من التهم التي لا تبقي ولا تذر.
سيل من التهم والسباب والشتائم؛ لأنّ الحزب الجمهوري خالف كتائبهم، وأبدى موقفا يتعارض مع حساباتهم، فأصبح الحزب الجمهوري الشيطان الأعظم، وأصبح بالنسبة لهم أخطر وأشد فتكا من خصمهم الأزلي حركة النهضة، ومن الضروري اليوم التصدّي لهم ولخطرهم بشتى الوسائل، تهديد ووعيد وتوعّد بالانتقام تنادت به صفحاتهم ومواقعهم على الفيسبوك والتوتير.
والذين لهم ذاكرة جيدة من التونسيين يذكرون أن هذه ليست المحطة الوحيدة التي شهدت فيها العلاقة بين الحزب الجمهوري وأحزاب يسارية، فالخلافات داخل المعارضة قديمة، وتجلّت في العديد من المناسبات، وجوهرها يتعلّق بكيفية إنهاء المرحلة الانتقالية؛ إذ كانت تدفعها اتجاهات مختلفة واستراتيجيات متباعدة. فكلما خرج الجمهوري عن مسار هذه الجبهة وشقّ عصا التحالف، قوبل بوابل من التهم والتشكيك والتخوين. ألم تشنّ حملة شرسة ضدّ الجمهوري إثر موقفه من توافقات قصر الضيافة بقرطاج، وإثر تصريحات قياداته بخصوص الدستور والهيئة المستقلة للانتخابات؟ ألم يوصف الجمهوري بانه حزب الصفقات غير المعلنة لأنه كان مبدئيا في إدانته للانقلابات؟ ألم يتحول بقدرة قادر إلى خائن وعميل لأطراف من الداخل ومن الخارج؛ لأنّه أبدى تمسكه بخيار إجراء الانتخابات في موعدها الذي حدّد في باب الأحكام الانتقالية بالدستور بنهاية سنة 2014؟
رفض الحزب الجمهوري الانصياع لقرارات تحالف القوى الانتهازية من لجنة التوافقات بسبب الخلاف في مسألتي العتبة وتمويل الحملة الانتخابية، فتعالت الأصوات بتخوينه وتسفيهه، فمن خرج إذا عن تحالف جبهة اليسار، فقد خان، وقد عانت من قبل أحزاب أخرى من هذه الهجومات المنظمة من جهات سياسية ومنابر اعلامية ولم تسلم من ذلك حركة النهضة والتكتل والمؤتمر وحركة وفاء.
بعد تمكّن أعضاء لجنة التوافق خلال اجتماعات بداية هذا الأسبوع من التوصّل إلى صيغ توافقيّة لبعض الفصول التي شكّلت مضامينها نقاطا خلافية جوهريّة، وبحضور ممثل عن كل كتلة هددت من جديد الجبهة الشعبية بالتشكيك في الانتخابات متهمة بقية الأحزاب بصياغة قانون انتخابي على مقاسها، وذلك رغم ان ممثل الجبهة في اللجنة كان حاضرا وامضى على محضر الاتفاق. وهكذا تصرّ جهات سياسية بعينها دائما على خرق التوافق وممارسة سياسة التهديد ثم التشويه غير عابئة بانجاح التجربة والخروج من هذه المرحلة الانتقالية وإنما بتحقيق وجهة نظرها الحزبية بكل الطرق مهما كانت فإن لم يكن هذا الخيار بليّ الأذرع، فليكن بالتهديد بالانسحاب من لجنة التوافقات لتعطيل المصادقة على القانون الانتخابي وسدّ الطريق أمام إجراء الانتخابات في موعدها. هذا الموقف بالتحديد ما تفطّن له الحزب الجمهوري ورفض الانخراط فيه؛ لأنّه متمسك مبدئيا بإجراء الاستحقاق الانتخابي في الموعد المحدد سلفا، ولأنّه يعتبر أنّ تحقيق الاستقرار لتونس لن يكون إلا عن طريق انتخابات شريفة وعودة سلطة الدولة والأمن وتنمية الجهات وعودة المقدرة الشرائية للمواطنين وحكم تونس بروح التوافق الوطني.
كما يعتقد الحزب الجمهوري أنّه طالما تغيرت حكومة الترويكا بحكومة مستقلة، فإن المعادلة السياسية تغيّرت وتستوجب تأقلما مع متغيرات الظرف. وهذا لا يتعارض مع الاختلاف في وجهات النظر بين الأحزاب السياسية مع الثبات على مواقفه ومبادئه.