الفتنة أشدّ من القتل، هو أفضل ما يوصف به نعيق الغربان التي تطلع علينا كل مرة، مستغلة آلام التونسيين ومآسيهم، توظف كل شيء حتى القتل والدماء لزيادة بثّ الفرقة والشكّ بين التونسيين. وكأنهم بغبائهم وحقدهم الأعمى يساعدون الإرهابيين ويقدمون لهم خدمة جليلة ليحقّقوا المزيد من النجاح في تنفيذ مخططاتهم. نفس الوجوه ونفس الخطاب في كل مرة، وعشية كل عملية إرهابية، تطل نفس المنابر وبنفس الضيوف أيضا لتردّد نفس الأسطوانة المشروخة عن تورط حركة النهضة وعن تقصير الداخلية وعن نظرية المؤامرة وعن اتهامات بلا أدلة لهذا السياسي أو ذاك.
في أكثر من فضائية، وفي أكثر من إذاعة، نشطت أصوات ألفناها دائما في كل مصيبة تحاول استغلال الحدث المؤلم لا لرصّ الصفوف ودعوة التونسيين إلى الوحدة ضدّ الإرهاب، ولكن لتتهم هذا، وتشكك في هذا، وتحاول بشتّى الطرق أن تبثّ البغض والكراهية بين أبناء الوطن الواحد. والغريب هو إصرار هؤلاء على وصف ما يقومون به بأنه وطنية، وأنه بحث عن الحقيقة، في حين أن ما يبثونه من سموم ودماء الشهداء لم تجفّ بعد هو عبارة عن وضع الملح على الجرح، وهو خطاب رديء ملّه التونسيون، وأصبح في كل محنة يُفرض عليهم فرضا على قنوات وإذاعات بعضها يقع تمويله من المال العمومي، مع صمت غريب من قبل القضاء الذي لم يحرّك ساكنا في كل مرة يردّد فيه هؤلاء تهما بلا دليل واحد، أقلها التشكيك في مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش والأمن، واتهام نواب في التأسيسي وقيادات سياسية بالتورط والتنسيق مع الإرهابيين.
والغريب أن هؤلاء ممن صمتوا عندما حوكم شباب الثورة، وعندما هُدّد الاقتصاد الوطني، وعندما تورّط زملاء لهم في بثّ إشاعات مضللة ومضرة بالأمن الوطني، لا يظهرون إلا في النوائب والمصائب ينوحون ويبكون من مكاتبهم الوثيرة، ومن استيدهوات مكيفة يوزعون التحليلات الغبية والاتهامات الكاذبة، ثم يعودون إلى جحورهم يمارسون عاداتهم القديمة في التآمر والتفكير في استثمار المآسي والدماء. أما الأبطال من قوات الأمن والجيش الذين مات لهم زملاء في كل حادثة إرهابية، فيواصلون النضال والتضحية في مواقعهم غير عابئين بما يبثونه في كل مرة من حقد وبغض وكراهية.
قلة حياء غير متناهية، ورداءة بلا حدود، وبجاحة غير معهودة، وبوجوه كالحة، يظهرون كل مرة يتهمون ويشككون. لا يجدون من يلجمهم ولا من يذكرهم بأننا في حضرة الموت والاستشهاد، وبأننا مطالبون بالوحدة والتكاتف والتضامن أمام آفة الإرهاب التي واجهتها قبلنا شعوب كثيرة فانتصرت عليها بالصبر والوحدة الوطنية.
متى يصمت هؤلاء عن ترويج الإفك؟ ومتى يدرك غربان السّواد أنّ الوطن سيلعنهم ولو بعد حين؟