تتسارع خطى الخيّريين من أبناء شعبنا إلى توفير شروط إجراء الانتخابات المقبلة في موعدها المحدد في الدستور، وتغامر بعض الأحزاب والمنظمات الوطنية لتقديم التنازل تلو التنازل حبّا في تونس وبذلا من أجل إنجاح ثورتها المباركة،،، وبقدر ما يسارع كثيرون إلى العطاء والتضحية لإيصال سفينة ثورتنا الى شاطئ الأمان، يسارع البعض الآخر إلى وضع العراقيل والمطبّات لتعطيل السفينة حتى آل الأمر إلى مشهد غريب، طرف يعطي ويبذل ويصبر ويتسامح، وآخر يرى الصبر ضعفا، والتسامح خوفا، ولا يزيده التلطف إلّا تعنّتا وعنادا. طرف يدفع بالتي هي أحسن ويبحث لغيره عن الأعذار طمعا في عودة وعي يردّ شركاءه في الوطن عن غيّهم ويلهمهم الصّواب، وآخر يختلق الأزمات ليصل إلى الدعوة إلى تأجيل الانتخابات المقبلة من خلال البحث عن تعلّات واهية للانقلاب على مسار الانتقال الديمقراطي بما يعزز الخشية من أن “حليمة بصدد العودة إلى عادتها القديمة” “واسأل على صاحبك استغناشي …..”
لا أقول إن الداعين إلى التأجيل هاربون من صناديق الاقتراع …. رافضون للتسليم بالسيادة إلى الشعب، ينازعونه حقّه في اختيار من يحكمه بإرادة حرّة، فذلك من تحصيل الحاصل، ولكنني أنبّه إلى ضرورة قراءة الأوضاع في البلاد والمنطقة والعالم قراءة واعية؛ لتترسّخ القناعة بأن ثورة تونس مستهدفة من بعض القوى الإقليمية والدّولية التي تسعى إلى وأدها والقضاء عليها، وأن بعض ما نسمعه ونراه في بلادنا من بعض إخوتنا في الوطن ليس إلا صدى لذلك القرار الإقليمي والدولي.
يتأكد يوما بعد يوم أن المعادين للثورة بصدد الإعداد لمعركة فاصلة، ليس في تونس فقط، بل في كل دول المنطقة، عنوانها في مصر مزيدا من العنف الأعمى والقمع، وفي ليبيا السعي إلى إغراق البلاد في الفوضى بدعم أحد جنرالات القذافي بالمال والعتاد والرجال والترويج إعلاميا وسياسيا له، وفي تونس مزيدا من الضغط لإرباك الأوضاع من خلال تعطيل الحوار الوطني ودعم الإرهاب؛ طمعا في أن يؤدي ذلك إلى فرض تأجيل الانتخابات والحيلولة دون المرور من الحكم المؤقت إلى الحكم الدّائم.
إنّ تزامن العملية الإرهابية الجبانة الأخيرة في القصرين مع فشل مسرحية الانتخابات في مصر ومحاصرة عملية انقلاب حفتر في ليبيا وبداية نهايته، يؤكد أن خيار إجهاض الثورات العربية مشروع إقليمي ودولي تحكمه وتديره جهات لم تعد تخفى على أحد، يحرّكها عداء دفين للديمقراطية والحرية والمساواة واستقلال القرار الوطني.
وأمام هذا الخطر الداهم الذي يهدّد الجميع، على القوى الوطنية وعموم التونسيين تحمّل مسؤولياتهم كاملة والوعي، بأن كل محاولة لتعطيل الانتخابات أو إفسادها أو التشويش عليها تصعيد خطير من شأنه أن يضع البلاد على فوهة بركان، فمثَل دعاة التأجيل (سواء كانت الاعتبارات مبدئية أم للابتزاز )كمثَل أقلية تحاول تفجير البيت وتدميره على من فيه، ولن يكون الساكتون على ذلك مهما كانت أعذارهم إلا شركاء فيما يمكن أن يلحق بلادنا وثورتنا.
وحتى لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين على كلّ أبناء تونس المؤمنين بالثورة والديمقراطية من مختلف الجهات والفئات والاتجاهات أن يضعوا اليد في اليد لوأد الفتنة في مهدها بالإعلان صراحة عن التمسك بإجراء الانتخابات في موعدها ورفض كل تأجيل، فالتأجيل في مثل هذه الظروف ليس مجرّد عمل تقنيّ، بل هو تخريب لعملية الانتقال الديمقراطي، وفتح الأبواب أمام المجهول وعودة الاستبداد وهيمنة الإرهابيين. وعلى كل أحرار تونس أن يوجّهوا رسالة للداخل والخارج على حدّ سواء: أن الانتخابات الحرة والنزيهة قدرنا، وأن الديمقراطية الحقيقية غايتنا، وأنه لا بديل عن سيادة شعبنا وحرية خياره، وأننا لن نسمح للمغامرين وأصحاب المصالح الخاصة ولوكلاء قوى الظلام والظلم في المنطقة والعالم، وللإرهابيين الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، وطبع على قلوبهم وأعمى بصيرتهم بأن يغتالوا حلمنا وحلم شهدائنا وجرحانا.