لا يمكن لمُنصف أن ينكر تحلي حركة النهضة في تجربتها الحديثة بخطاب وطني مسؤول. فمنذ فوزها بالأغلبية في انتخابات 23 أكتوبر وحركة النهضة تتعرض لهجمة تشكيك شرسة مع محاولة مستميتة للنيل من قياداتها وأفكارها، إضافة إلى محاولات خبيثة في أحيان كثيرة للتشكيك في نواياها والتخويف منها وما تحمله في مشروعها. ورغم ذلك فقد حافظت هذه الحركة تونسية المنشأ والفكر على توازنها وكانت رغم الصعاب والعثرات والأخطاء أحيانا في مستوى المسؤولية الوطنية، فتنازلت عندما يتطلب الأمر التنازل، وتمسكت بأفكارها وقيمها كلما تطلبت المصلحة والمبادئ ذلك. وكانت قيادة الحركة التي خبرت السجون والمنافي والعمل المشترك في الداخل والخارج، حريصة كل الحرص، بل أكثر الأطراف الوطنية حرصا على انجاح الوفاق والعمل المشترك، انطلاقا من تجربة الترويكا، وعمل اللجان في المجلس الوطني التأسيسي، ثم الحوار الوطني، والحوار الاقتصادي، بالإضافة إلى المشاورات المكثفة التي جمعتها بمختلف ممثلي الطيف السياسي عشية اغتيال الشهيد شكري بلعيد ثم الشهيد محمد البراهمي.
ورغم المحاولات المتكررة والتي لا تنتهي بربط حركة النهضة وقياداتها بما حصل من عمليات إرهابية، أو تطورات اقليمية، فقد حافظت الحركة أيضا على تماسكها وحلمها وصبرها ورباطة جأشها ولم تنساق وراء الحملات والأكاذيب التي تغذيها الثورة المضادة وقوى الحقد الايديولوجي، فكانت هي المبادرة عن طريق أحد قيادييها علي العريض بإعلان “جماعة أنصار الشريعة” جماعة إرهابية، كما تحمل مناضلوها في الجهات هجمات عنيفة قادتها أطراف معلومة، وصلت الى حد حرق مقراتها الجهوية في قفصة والكاف وسليانة وعدة معتمديات أخرى، ولكن مناضليها لم يردوا الفعل، وذهبوا للقضاء إيمانا منهم بعلوية القانون، وقناعة راسخة لديهم بضرورة عدم الانجرار وراء العنف والعنف المضاد.
وفي مسار مواز أقامت حركة النهضة علاقات واسعة ومتينة مع اغلب القوى الدولية، فاستمعت إلى مختلف وجهات نظر الديبلوماسيين والإعلاميين والباحثين، وآرائهم حول التجربة التونسية وحظوظ نجاحها. وقد كان مكتب الشيخ راشد الغنوشي في مونبليزير لا يكاد يخلو يوميا من سفير أو إعلامي أو باحث أو ممثل لمنظمة دولية أو اقليمية يأتي محاورا أو مستفسرا أو ناصحا، حتى أصبحت رؤية حركة النهضة موضع إعجاب في الكثير من المنابر الدولية.
واليوم والنهضة تحتفل بذكرى تأسيسها الثالثة والثلاثين، عليها أن تتمسك بهذا الخطاب والرؤية الواقعية المسؤولة، وبهذا الخطاب الحضاري الإنساني المجمّع والوفاقي، وأن تصبر على الإساءات المتكررة من إخوة الوطن، ولا تلتفت إلى عبثهم، وصغائر ما يبثون ويروجون من افك، لأنها تقود تجربة فريدة ومتميزة وواعدة إذا قُدّر لها النجاح فسترفع تونس حتما إلى مصافّ الدول والمجتمعات المتقدمة والراقية. فأحفظ اللهم تونس وشعبها من الكيد والمكر والجهل والتآمر و حقد الحاقدين.