قال النائب عن جهة القصرين والقيادي في حركة النهضة وليد البناني أنّه لم يفكر مطلقا في رفع أي قضايا في حق من يقود ضده حملات التشويه والإساءة لأنه يدرك تماما أنّ هؤلاء يبحثون عن بطولات وعن سبق إعلامي لتسجيل نقاط وهمية على وليد البناني وعلى حركة النهضة. وأكّد في حوار للـ “الفجر” أنّ بعض الأطراف الحزبية لا تستطيع أن تتطهر من منطق الغنيمة السياسية والاستثمار الحزبي الضيق حتى وهي تتعاطى مع آفة من أخطر وأفتك الآفات التي قد تنهش الأوطان وتمزق أوصالها. ودعا البناني في المقابل إلى ضرورة رصّ الصفوف وتوحيد الأهداف من اجل تجفيف منابع الإرهاب واجتثاثه من جذوره.
وجّهتم اتّهاما إلى بعض العناصر المنتمية إلى الجبهة الشعبية بالوقوف وراء الاعتداء الذي تعرّضت إليه في القصرين مؤخرا، ألا ترى أنكم في كل مرّة تتهمون أطرافا سياسية معيّنة بالاعتداء عليكم وعلى مقراتكم، ولا نرى تتبّعا قضائيا لأي من هذه الأطراف؟
بداية، عليّ أن أعبّر عن تعاطفي ومساندتي التامّة لعائلات الشهداء وعلى دعمي التام لقوات الأمن والجيش الوطني، كما أجدّد دعوتي إلى جميع التونسيين للالتفاف حول قوات الأمن والجيش الوطنيين وللتوحّد ضد الإرهاب. وأعتقد أنّه قد آن الوقت للترفع عن كلّ التجاذبات السياسية والحزبية والالتفاف حول الوطن والتوحّد ضدّ هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد أمن الوطن والمواطن.
أمّا إن أردت أن أتحدث عمن كان وراء ما تعرضت إليه أثناء زيارتي لمنزل السيد بن جدّو ولمساندة عائلات الشهداء، فدعيني بداية أقول لك إنّ هذا التصرف نشاز وغريب عن أهالي القصرين، ولعلّك تعلمين أننا في القصرين نترك كل الخلافات والنزاعات جانبا خلال المصائب والفواجع والمآتم ونساند بعضنا البعض، واعتقد أنّي لم أذهب من أجل لقاء حزبي أو في إطار حملة انتخابية، بل ذهبت بنية التعزية والمساواة في مصاب ألمّ بأبناء جهتي. هذه الوجوه هي عناصر تنتمي إلى الجبهة الشعبية، ولعلك تعلمين أنّ الناس في الجهات الداخلية يعرف بعضهم بعضا، لذا أنا أصرّ على أن من حاول الاعتداء علي هم عناصر من الجبهة، وهم أنفسهم الذين اتهموا وليد البناني من قبل بعلاقته بالإرهاب وبقتل المرحوم شكري بالعيد. لم أرفع قضية من قبل لأني أدرك تماما أنّ هؤلاء يبحثون عن بطولات وعن سبق إعلامي لتسجيل نقاط وهمية على وليد البناني وعلى حركة النهضة. لذا أقول لهؤلاء إن كنتم تراهنون على تشويه صورة البناني في القصرين، فأنتم واهمون؛ لأنّ وليد البناني فرشيشي وابن القصرين أبا عن جدّ، ويتشرف بذلك، ولم يكن يوما عاقا لأهله في الجهة ولن يكون، و”القصارنية” يعرفونه جيّدا وخبروه، وصورته لن تهتزّ بممارسات مماثلة.
إن أردتم أن تلحقوا الأذى بالبناني، فقارعوه في نشاطاته وفي برامجه للجهة وفي ما يمكن أن يقدم لأبناء القصرين، لا بالحسابات الضيقة والحملات الهابطة والضرب تحت الحزام. وعلى كلّ أنا أتممت ما ذهبت من أجله، ولم تنجح هذه الشرذمة في منعي، وقد قمت بتعزية عائلات الشهيدين، وحضرت ختم القرآن في منزل رضا الشابي، ثم زرت زوجة وابن وأخ الشهيد علي الغضباني في حي الزهور. كما قدت يوم الأحد الماضي مسيرة حاشدة جابت الولاية شارك فيها أهالي القصرين من كل الانتماءات والتوجهات للتنديد بالإرهاب وللدعوة إلى الوحدة الوطنية ضدّ هذه الظاهرة العمياء.
أسئلة كثيرة طرحت بخصوص هذه العملية، عن ملابساتها وظروفها ونتائجها المفجعة، أنت باعتبارك نائبا عن الجهة ما هو تشخيصك لما حدث ليلة 28 ماي المنقضية؟
هناك مسار كامل لانتشار الإرهاب في القصرين لا بدّ أن نفهمه ، فقد نبهت منذ البداية إلى وفي أكثر من مناسبة إلى أنّ القصرين التي فُرض عليها التهميش والإقصاء والتفقير طيلة عقود مهدّدة اليوم أكثر من أي وقت سابق بخطر الإرهاب، وقلت إنّ طبيعتها الجغرافية محاطة بجبال الشعانبي والسلوم والسمامة سيجعلها عرضة لتمترس الإرهاب، ولذا كنت قد طالبت أكثر من مرة وفي كل المناسبات التي جمعتني بالحكومة بأن القصرين بحاجة إلى اهتمام كبير وإلى إجراءات استثنائية على عدة مستويات، منها التسريع في نسق مشاريع التنمية؛ لأن الإرهاب يتغذى إلى حدّ كبير من الفقر والتأخّر التنموي في الجهة، كما كنت قد طالبت بتوفير جميع الوسائل اللازمة لتسهيل عمل رجال الأمن والجيش، ومنها الوسائل اللوجستية والمادية وعلى مستوى تجهيزات البينة التحتية. هذا إلى جانب تطوير القطاع الصحي والمؤسسات الاستشفائية بما يسمح باستقبال الجرحى والتعاطي مع الحالات الحرجة.
نستمع كثيرا في المدة الأخيرة إلى سيناريوهات المؤامرة، هل أنت مع هذه القراءات؟
شخصيا لا أحبّذ هذه القراءة، يعني نحن أمام ضحايا، أمام شهداء، أمام عمليات ميدانية مدروسة ومنظمة، لا أعتقد أنّ نظرية المؤامرة تفسرّ ما يحدث اليوم، وأبحاث كل الجهات الأمنية لا تثبت تورّط أي طرف حزبي أو أطراف خارجية مباشرة في العمليات الإرهابية، في المقابل كشفت عن تورط تيار أنصار الشريعة، وهو امتداد لتنظيم القاعدة في هذه العمليات، فليس من المنطقي أو المجدي أن نترك ما هو ملموس ونبحث عما هو خفي وغير ثابت.
ولا حتى تواطؤ موضوعي؟
أنا أعتقد أن الإرهاب ليس له أجندة أحزاب، وإنما أجندة فرص يجب ألا نخلط الأمور ونزيد في تعقيدها وتأزيمها.
ألم توظف عمليات إرهابية لتوجيه ضربات للنهضة إمّا شراكة أو صمتا أو تواطؤا؟
هذا صحيح للأسف الشديد، عمليات الإرهاب ومآسي العائلات التونسية يوظفها البعض توظيفا سياسيا وحزبيا ضيقا لاتهام النهضة وإخراجها في صورة المدان والمتورط مع الإرهاب إمّا عمدا أو ضعفا أو خنوعا. للأسف بعض الأطراف الحزبية لا تستطيع أن تتطهر من منطق الغنيمة السياسية والاستثمار الحزبي الضيق حتى وهي تتعاطى مع آفة من أخطر وأفتك الآفات التي قد تنهش الأوطان وتمزق أوصالها، ألا وهي آفة الإرهاب. يجب أن نترفع عن التوظيف المعيب للدماء ولمصائب الشعب ونكباته، يجب أن نضع حدّا لإستراتيجية شقّ وحدة التونسيين وتخوين المؤسسة الأمنية وإنهاك جهودها بالقصف والتشكيك في كل ما تخطوه من خطوات لمقاومة ظاهرة أنهكت شعوبا كثيرة. صحيح أنّ بلادنا قد طالتها يد الإرهاب وهدّدت أمنها في عديد المواطن والمواقع من أحداث سليمان والروحية والشعانبي وسيدي علي بن عون وجندوبة والاغتيالين السياسيين، لكننا لسنا معزولين عن العالم ولسنا بدعا عن شعوب أخرى أرّقها غول الإرهاب، فتاريخ الإرهاب في الولايات المتحدة أو إيطاليا أو فرنسا أو إسبانيا مليء بالدماء وبالحوادث الدامية وبالقتل والتفجيرات، ومع ذلك لم تخرج نخب سياسية لتهتف بإسقاط النظام، ولم يطالبوا باستقالة وزراء، ولم يصفّقوا فرحا بكلّ دم يسيل، ولكلّ روح تلفظ في سبيل الوطن، ولم يستثمروا الدماء لتحقيق مكاسب حزبية أو انتخابية على حساب خصومهم السياسيين، بل توحّدوا شعوبا وأحزابا ومنظمات وهيئات ونقابات ووقفوا صفا متراصا ضد العنف والقتل وسفك الدماء وترويع الأوطان.
إنّ المتأمّل في النقاشات والتحاليل وفي الموائد المستديرة التي تقدم في المنابر الإعلامية لن يجد فيها سوى أحكام مستعجلة واستنتاجات اعتباطية وتحاليل مبنية على شبهات وخطابات تحريضية تارة على المساجد وأئمتها في العموم، وتارة أخرى ضدّ حزب سياسي أو ضدّ الدولة ومؤسساتها وضد المؤسسة الأمنية بالذات، فهؤلاء لا يفقهون أنّ إلقاء التّهم جزافا لتصفية حسابات ضيقة مع الخصوم السياسيين وحلّ الأزمات بخلق أزمات أخرى وتوتير الأوضاع وتعقيدها أكثر والهروب إلى الأمام لن يضعف الإرهاب ولن يحدّ من انتشاره، بل على العكس سيغذّيه ويهيّئ له البيئة المناسبة.
هل تعتقد أنّ المعركة مع الإرهاب في القصرين يمكن حسمها في وقت قريب؟
الأكيد أنّ أبناء القصرين الذين لم يجبنوا أمام إرهاب المخلوع وماكينته التي بطش وتجبر بها لن يجبنوا اليوم ولن يتقهقروا أمام الإرهابيين الذين يريدون أن يفسدوا عليهم حياتهم ويبثوا فيهم اليأس والقنوط، والأكيد أنّهم سيواجهونه وسيتصدون له بكلّ ما أوتوا من قوّة وعزيمة وثقة. ولكن واهم من يعتقد أنّ حسم معركة مع الإرهاب عملية بسيطة أو يسيرة، فكل العقلاء في العالم يدركون جيّدا أنّ المعركة مع الإرهاب معركة مضنية وتحتاج إلى طول نفس. فآفة الإرهاب ظاهرة عالمية لا دين لها ولا وطن، فقد باتت تهدّد بشرورها كافة دول العالم، غنيّها وفقيرها، صغيرها وكبيرها، دون تمييز بين مجتمع وآخر، وهو ما تبرز معه الحاجة إلى تعاون دولي أكبر وشراكة حقيقية في مواجهة هذا الجموح الخطير الذي يزداد بمعدلات متسارعة، وصولاً إلى اجتثاث جذور الإرهاب وتجفيف منابعه، خاصة أنّ من اعتنقوا الفكر المتطرف والإرهاب هم من تحركهم نوازع الحقد والكراهية لمعاني الحياة بعد أن تجردوا من كلّ وازع إيماني وأخلاقي يقتضي مواجهة شاملة وتنسيقاً دائماً وتحركاً مشتركاً من سائر بلدان العالم؛ من محاصرة وتطويق الظاهرة الإرهابية ووأد مشروعها الظلامي والضلالي وسدّ كل المنافذ التي يتسرب منها. وهنا يتنزل دور النخب السياسية، فنحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى عملية فرز حقيقي للقوى الوطنية المؤمنة بالتعايش بين جميع مكونات المجتمع السياسي والمدركة لخطورة الإرهاب واستفحاله والواعية بأنّ التصدي لهذا الغول يحتاج إلى وحدة الصف وتضافر الجهود وإلى التفريق بين الخلافات والصراعات على البرامج والأجندات السياسية، وبين سلامة الوطن وأمنه، القوى التي لا تعطي الدنية في استقرار البلاد وفي وحدة شعبها.
أنت متهم بأنك مقصّر في واجبك تجاه أبناء جهتك ولم تحسن تمثيلها، ما ردّك؟
من سوء حظي أن وليد البناني لا يمتلك مؤسسة إعلامية تقف وراءه ولا جهازا إعلاميا يرافقه ويوثق أوّلا بأوّل ما يقوم به من أجل جهته وأبنائها ومحاولة حلّ بعض الملفات العالقة أو المعطّلة. هذا جهدي، وإن كنت مقصرا فليغفر لي أبناء بلدي وأهلي في القصرين.
البعض يعتبر أنك خذلته؟
إن كان تقصيري لأني لم أنجح في تشغيل بعض من طلب مني التشغيل، فليعلم الجميع أن وليد البناني لا يشغّل ولا يملك آليات ذلك، هناك قانون الانتدابات، وهو يعتمد على المناظرات، وعهد المحسوبية والتشغيل عن طريق الهاتف قد ولّى وانقضي، وأنا لن أسمح لنفسي بالانخراط فيه، وإن كان تقصيري لأني لم أقدم قرضا لمن يطلب تمويلا خاصا لمشروعه، فوليد البناني لا يملك بنكا ولا تأثير له على البنوك، بل وليد الذي قيل إنه يملك منزلا فخما في تونس وآخر في القصرين لا يملك سوى بيت مستأجر متواضع في تونس، أما في القصرين، فيقطن عند أخيه. وكل ما يستطيع وليد البناني النائب عن ولاية القصرين مسقط رأسه فعله هو التحسيس بهذه القضايا وتقديم المقترحات والتسريع في دراسة بعض الملفات المعطّلة أو البحث عن إمكانية إيجاد موارد رزق لبعض العائلات المعوزة. النائب لا يملك سلطة القرار التنفيذي. النائب من واجبه الاستماع إلى مشاكل أبناء جهته وإيصالها إلى من بيده سلطة القرار والعمل الجاد والمخلص من أجل الدفع نحو إيجاد حلول عملية وسريعة لها. أما بخصوص إقلالي من زيارة الجهة، فهذا أيضا مردود على من ادّعاه، لأني لا أتغيّب إلا في فترة تكثيف عمل اللجان التأسيسية التي تستوجب المواظبة على الحضور في المجلس التأسيسي أو خلال الجلسات العامّة. كما أن الملفات التي أتلقاها سواء من طرف مواطنين أم إدارات جهوية لها مشاكل وصعوبات في تنفيذ بعض المشاريع لا تحلّ إلا في تونس، وهي تتطلب الاتصال بالسلطة المركزية في تونس، فالقرار يتّخذ في تونس.
ولكنهم لم يلمسوا أيّ تغيير في التنمية أو في الأوضاع الاجتماعية؟
بداية من غير العدل أن نحاسب من قضى سنتين أو سنة ونصفا في الحكم على تركة ستين سنة من التهميش والتفقير. وربما لا يعرف الكثيرون أنّ الميزانية المخصصة للتنمية في ولاية القصرين سنة (2012- 2013) سبعمئة مليار للقصرين لم ينفّذ منها إلا مائة مليار فقط، يعني ستمئة مليار لم تنفّذ إلى الآن، في المقابل بن علي خلال خمس سنوات لم يعط سوى 300 مليار لكل المعتمديات، يعني تقريبا بمعدل خمس مليارات لكل معتمدية في حين أنه في حكومة الترويكا قد تصل حصّة المعتمدية إلى أكثر من 12 مليارا في القطاع الواحد، يعني في الصحة أو البنية التحتية أو المشاريع التنموية، ولكن الكثير من المشاريع المبرمجة للأسف الشديد اصطدمت بعدم توفّر العدد الكافي من المؤسّسات والمقاولات القادرة على إنجاز المشاريع الكبرى، مثل مشروع إنجاز مئات الآبار الارتوازية التي ستقدّم حلولا جذرية لمشكلة المياه الصالحة للشراب ولمشاكل المناطق السقويّة، وقس على ذلك مشاريع تعبيد الطرقات، إلى جانب الندرة في اليد العاملة، وهي مشكلة مؤرّقة اعترضتنا خلال تفعيل هذه المشاريع، بسبب معضلة الحضائر التي أصابت النهضة الاقتصادية في مقتل، وكانت على حساب المشاريع التنموية وعلى حساب توفير حاجيات المقاولات في البناء، إلى جانب ترسانة القوانين البالية والجامدة التي وجدنا أنفسنا محاصرين بها، والتي شكّلت عنصرا مكبّلا حال دوننا ودون تحقيق ما هو مطلوب من مشاريع تنموية وطنية وجهوية ومحلية، وقد كنا بحاجة إلى قوانين ثورية تتماشى مع هذه اللحظة وتيسّر تمرير هذه المنجزات دون تعطيلات. لذا يشعر البعض من أبناء الجهة أن شيئا لم يتغير، وأنّ قطار التنمية يسير في جهتهم ببطء شديد.