تونس … ليبيا … مصر … تأمّلات في أحوال الثّورات
العربي القاسمي
قوّة السّلاح وخيّار المقاومة تصوّب المسار وتطرق على مفاهيمنا بعنف علّنا نستيقظ ونتدارك.
تحوّل الوفد الفلسطيني بممثّلين من قيّادات حماس إلى مصر للمشاركة في مباحثات الهدنة، ومع من؟! مع الإمريكان والصّهاينة الّذين يصنّفون حماس منظّمة إرهابيّة ويقاتلونها، له دلالاته العميقة وهو هزيمة نكراء للإمريكان والصّهاينة وما كان ليحصل لولا ثبات المقاومة وضرباتها الموجعة الّتي وجّهتها في العمق الصّهيوني فنالت من أمنه وإرادته وبدّدت أسطورة “الجيش الّذي لا يقهر” الّتي تحوّلت في ظلّ الخنوع العربي الرّسمي إلى سلاح استراتيجي لا يضاهى.
القتال الدّائر في بنغازي ودحض الثّوار بقوّة السّلاح لقوّات حفتر الإنقلابيّة عن معسكراتها ومواقعها الأساسيّة واستبعاد إمكانيّة استنساخ الإنقلاب المصري الغادر في ليبيا هوّ أيضا حدث ذو دلالات في المنطق الثّوري يستدعي الوقوف عنده وسبر أغواره وقراءته قراءة سليمة والإستفادة منه.
لقد أصبحت حركات التّحرّر الجادّة في مفترق طرق بين خيّارين أحدهما الأمرّ في اللّحظة الرّاهنة والأنفع والأجدى من حيث النتّائج والمآلات والثّاني أقلّ مرارة في اللّحظة الرّاهنة ولكن مرارة نهاياته لا طاقة لحرّ بها.
الثّورة اللّيبيّة سلكت الخيّار الأوّل وغيّرت بقوّة السّلاح ودفعت ولا تزال ثمنا باهضا يعلمه الجميع ولكن يبدو أنّ قوّة السّلاح بصدد الرّدع والحسم مع الإنقلابيّين لصالح الثّورة وأحسب أنّ مخاض ليبيا أصدق وغدها واعد رغم قتامة المشهد الحالي.
أمّا الثّورتين التّونسيّة والمصريّة فقد اختارتا المسار الثّاني وهو المسار الإصلاحي وعدم القضاء على دابر المنظومة السّابقة بل ومحاولة التّعايش معها وطيّ صفحة الماضي … كلام جميل تفضح بشاعته وزيفه ما آلت إليه الثّورة المصريّة وما يتهدّد الثّورة التّونسيّة من وأد بعد عمر قصير وما دُفع وما قد يُدفع من أثمان باهضة تفوق بكثير ضريبة الخيّار المباشر الّذي نهجته الثّورة اللّيبيّة.
نخادع أنفسنا حين نصافح جلاّدينا ونبتسم في وجوههم ونمارس معهم سيّاسة “اذهبوا فأنتم الطّلقاء” وهم ليسوا أهلا لها ونتغاضى عن دم إخواننا الّذي ولغوا فيه بنهم فشوّههم وكشف عوارهم وننتظر كالخرفان الوديعة أن نذبح بصمت وبنفس الطّريقة ودون تكبير على مذبح المخاتلة السّياسيّة والضّحك على الذّقون بأن ترفع لنا ألقاب ونُحاط بهالة من التّمجيد تحول دون أن نقاوم عمليّة الذّبح البطيء وننسى أنّ من يقوم بنصف ثورة إنّما يحفر قبره.
يبدو إذا جليّا في إطار انخرام ميزان العدل الدّولي والقيمي بين الأمم أنّ “السّلاح أصدق أنباء ممّا سواه” في مسارات التّحرّر والإنعتاق وإنّ غدا لناظره لقريب …. وفي التّاريخ برّ مقالي والمقصود بـ “السّلاح” هنا ليس السّلاح المادّي بقدر ما هوّ قوّة الموقف والثّبات على الحقّ وعدم المساومة عليه والتّنازل ولو على بعضه وذكاء المراس السّياسي ووضوحه وانحيّازه الواضح.