لما كانت الثورة في أحد أبعادها ثورة في المعاني والقيم والأفكار وثورة في الذائقة وفي الفنون والإبداع ولما كان الفعل الثوري هو حالة من التجدد ومن التمرد ومن إثارة الأسئلة ومعالجة الظواهر .. كان لابد من أن نبحث في ساحتنا التونسية والعربية عن الأصوات الملتحمة بمسار الثورة وعن المبدعين الذي لم يجدوا مساحة لتقديم إبداعاتهم بسبب الإستبداد السياسي والثقافي.
الفجر حاورت كثيرا من الأسماء : المنصف الوهايبي، سالم المساهلي، مبروك السياري، جمال الصليعي، آمال موسى، آمال قرامي، معمر الماجري، عبد العزيز المدفعي، جمال الفرحاوي، العربي القاسمي، رابح ظريف من الجزائر، صلاح الدين الغزال من ليبيا.
لقد تحررت روح الإبداع وتكشفت طاقات كامنة في الوطن بفعل مسار الثورة وعلى الإعلام والسياسيين الإنتباه إلى الفعل الثقافي بما هو فعل ثوري حقيقي وبما هو استنبات لمعان وقيم وأفكار وذائقة جديدة متجددة.
في هذا العدد تحاور جريدة “الفجر” تحاور مبدعة تشق طريقها بعناء: إنها نجيبة بوغندة.
كيف تقدمين نفسك لجريدة الفجر؟
نجيبة بوغندة من مواليد 9ماي 1971 بالغنادة من ولاية المنستير، معلمة تطبيق بإحدى مدارس ولاية منوبة، مدوّنة بموقع الكتروني تونسي.
كاتبة، صدرت لي مجموعة قصصية أولى في شهر مارس بعنوان “سأكتفي بك حلما” والثانية تحت الطبع إن شاء الله بعنوان “حديث وسط السكون”
قمت بمداخلات ثقافية بجمعية الفينيق بصفاقس تهمّ الإنسان في مختلف مراحله العمرية:*المثقف الإنساني ودوره في المجتمع.
*أدب الناشئة بين الواقع والمأمول.
*أثر الفنون في صقل مواهب الطّفل.
كما أني عضو بالبيت الثقافي العراقي التونسي.
نُشرت لي كتاباتي على مجلات الكترونية داخل البلاد وخارجها (مجلة معارج ببرلين/مجلة الرقيم للآداب العربية بمصر/مجلة المختار الاسلامي/مجلة البيان السعودية الصادرة بلندن..)
أنت كمشروع أديبة مستقبلية كيف تجدين العلاقة بين الإبداع والحرية؟
الحرية شرط ضروريّ للإبداع، فالحرية هي السبيل الأمثل الذي يقود المبدع بصورة عامّة على أن يكون ترجمانا صادقا لواقعه، ناقلا إيجابيا لأدقّ تفاصيل ذاك الواقع، والشعوب المتملّكة لواقعها والواقفة على ثغراته، الفاهمة له، هي بالتّأكيد شعوب ترقى بذاك الواقع وتحاول أن تظهره في أبهى حلله، متجاوزة نقائصه قدر الإمكان وهذا ما ليس متوفرا بالقدر الكافي في دولنا العربية إن لم أقل مغيّبا في معظمها.
أصدرت السنة الفارطة مجموعتك القصصية الأولى ” أكتفي بك حُلما” كيف وجدت ملامستك الأولى للساحة الثقافية خاصة في ما يتعلق بالنشر والتوزيع؟
مجموعتي القصصية الأولى صدرت هذه السنة في شهر مارس 2014 تحت عنوان “سأكتفي بك حلما” وهي مجموعة قصصية تضمّ 19 قصة تختلف من حيث الحجم والمحتوى وقد حاولت أن ألامس فيها مختلف شرائح المجتمع كبداية أولى لي،وقد لاقيت صعوبات جمّة حتى تصل للنشر ولكن بعد النشر لم تختف تلك الصعوبات، فقد رفضت وزارة الثقافة اقتناءها ضمن موسم شراءاتها بسبب رداءة الطبع التي لا تستجيب للمعايير بحسب ما أخبرني به المسؤول في إدارة الآداب، وهذا مشكل يواجهه أغلب المبتدئين لعدم معرفتهم بتلك المعايير وبسبب شجع بعض الناشرين مع احترام للشرفاء منهم… وما يؤلمني في الأمر حقيقة، أن يكون الناشر هو نفسه “مبدع” ولكن عقلية التاجر تتغلّب على جانب الإبداع فيه وتجعله يستغلّ حديثي العهد بنشر منتوجهم …آمل أن يجعل هؤلاء دور نشرهم أو وساطتهم لدى المطبعات في تطوير الإبداع والمساعدة على بروز مبدعين مغمورين بعيدا عن التجارة المشطّة وأن يغلّبوا جانب الإبداع فيهم عن أيّ غاية أخرى.
أمّا فيما يتعلّق بالتّوزيع فقد قمت بنفسي بتوزيع مجموعتي لدى بعض دور الثقافة وبين زملائي من المدرّسين وبعض معارفي وقد لاقيت بعض الصعوبات كذلك، باعتباري كاتبة غير معروفة ولا أحد يجازف بشراء مجموعة صاحبتها مجهولة النسب أدبيّا.
مجموعتك الجديدة في الطباعة ” كلام وسط السكون” ما هي أهم الظواهر الإجتماعية التي تنطلقين منها كخميرة لعملك الإبداعي؟
مجموعتي القصصية الجديدة تحمل عنوان “حديث وسط السكون” وهي مجموعة تضمّ 16 عملا في 144 صفحة…هذه المجموعة هي امتداد للأولى باعتبار أنّ المجموعتين كانتا في كتاب واحد، لولا اقتراح أحد الأصدقاء أن أجعله في مجموعتين حتى يسهل للقارئ تناول الكتاب، خاصة بعد توجّه معظم دور النشر عالميا إلى كتاب الجيب،وقد حاولت كما ذكرتُ آنفا أن أتوقّف عند مشاكل مجتمعي بعيدا عن الوعظ والإرشاد الذي يكرهه الجميع …وربّما اختلاطي بالناس كمربيّة ومتابعتي لما يحدث هنا هناك من العالم، جعلني أترجم تلك الأحداث إلى كتابة كما أشعر بها حين نثر حبرها على الورق، وأنقلها إلى القارئ صادقة دون أن أنفي ذاتيّتي أحيانا…فقد تناولت حياة السجين والمشاكل التي يتعرض إليها بعد قضاء مدّة السجن والمشرّد النازح خاصة وآثار خروج الأبوين معا إلى العمل على المراهق وما يتعرض له إخواننا في فلسطين وسوريا والعراق، كما لم أنس الحديث في الجانب الوجداني الذي لا يمكن للكائن البشري أن يحيا بمنأى عنه مهما كانت صفته مع اعتماد لغة بعيدة عن الإثارة الاعتباطية أو النزول بها إلى الابتذال.
آمل أن تجد مجموعتي القصصية الثانية حظّها وأن أتجاوز معها صعوبات المجموعة الأولى، كما آمل أن تتغيّر نظرة دور النشر للمبدع على أساس كونه علامة مضيئة في سماء الوطن دون أن تبخس نفسها حقّها التجاري ولكن دون شطط، كما أرجو أن يعود للمطالعة حظّها من المبرامج التعليمية حتى نعيد القارئ إلى حبّ الكتاب وخير دليل على ذلك أن ننظر إلى الدول المتقدّمة وما توليه من الاهتمام بالكتاب شعبا وحكومة.