إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ
نهر اليوم في المشهد السّياسي التّونسي هو الإنتخابات التّشريعيّة وحلم الفوز بمقعد في مجلس النّواب والحصول تبعا على الإمتياز الإجتماعي والمادي والإعتباري وغيره … مغنم يثير التّنافس والتّعافس ويصل بالبعض إلى استعمال “الغشّ” والضّرب تحت الحزام لينال من هذا المنافس أو ذاك … حالة من الإقتتال والإحتراب البارد غير المعلن تفوح رائحتها من هذا الحزب أو ذاك فتتمظهر في احتجاجات واستقالات وتغيير ولاءات وتكوين قائمات مستقلّة وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى السّباب والشّتائم من غدر وتكنبين وتخوين وغيره.
حركة النّهضة ليست حركة ملائكيّة وهي بالتّالي لن تشذّ عن السّباق المحموم نحو الشّرب من هذا النّهر فالحرّ شديد ولمَ لا “تبحبيحة” في الماء البارد وإطفاء عطش السّنوات العجاف، سنوات الجمر والتّمتّع بزينة الحياة الدّنيا؟ ! ” قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ “؟ !
نعم … من حقّ كلّ من يرى في نفسه الكفاءة أن يحلم بما يشاء وأن يسعى لتحقيق حلمه ولكن العبرة كلّ العبرة والحكمة كلّ الحكمة في طريقة السّعي وأسلوبه فالغايات النّبيلة لا تدرك بغير الوسائل والطّرق النّبيلة ورغم ما يشعر به الكثير من مناضلي ومناضلات الحركة من غبن وغمط وبخس فلا يسعهم إلاّ أن يظلّوا أوفيّاء لمبادئهم وقيّمهم وأخلاقهم الّتي ضحّوا من أجلها ولا يزالون والّتي ذاقوا من أجلها الويلات وليحذروا أن يكونوا ” كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا ” يخربون بيوتهم بأيديهم ويهدمون أسس مشروعهم بشهواتهم من أجل متاع زائف زائل … لا بأس أن يشرب الواحد من هذا النّهر المغري ولكن بالقدر الّذي يسمح به الظّرف ودون زحمة وتغاطس وتدافع على النّهر فخطر الغرق قائم فليغرف من تيسّر له غرفة بيده يطفئ بها ظمأه ويستقوي بها على مواصلة الطّريق وليتصبّر عن العبّ من هذا النّهر وليركّز الجميع الهمّة والأبصار والبصائر على أن يكونوا من الصّفوة النّاجيّة ” الَذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ ” حيث قالوا ” كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ” … تأمّل إشارة “واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ” أي أن هذه الفئة كانت تتحلى – في جملة ما تتحلى به – بالصبر الضروري لمجالدة العدوّ ومقارعته … فانتصروا بإذن الله … فالصّبر الصّبر وما أدراك ما الصّبر من تجرّعه عاش عزيزا أو مات شهيدا والصّبر اليوم على هوى النّفس ورغباتها من أولى الأولويّات.
أمّا ما عدى النّهضاويّين فدعوتي لهم أن هلمّو ا هلمّوا ليس لمجد الزّمن إنّما لنهر الفتنة حطّوا رحالكم حوله واصطافوا واشربوا حتّى الثّمالة و”تبحبحوا” وتغاطسوا وتكارعوا وتدافعوا شعاركم “قد خان اليوم من آثر ” وليغرق بعضكم بعضا ولا تهتمّوا لمجد الزّمن ولعزّ تونس فنحن لهما وبدونكم ندركهما أسرع وأسهل.