البورصة السياسية تنشط هذه الأيام بشكل كبير، وأغلبها في شكل اتصالات سرية، واجتماعات مضيقة، وزيارات غير متوقعة هنا وهناك، في سباق محموم مع الزمن، لانتزاع، اكبر قدر ممكن من حظوظ هذا المرشح او ذاك للانتخابات الرئاسية.
القائمة الطويلة لن تبقى طويلة، خاصة وأن الترشحات الرسمية بدأت، ووصلت أمس إلى حدود الخمس ترشحات، ولم يعد يفصلنا إلا أسبوع واحد، لنعرف القائمة النهائية والحقيقية للمترشحين. فبعد العجز الواضح لعدد من الأسماء التي اعلنت نيتها الترشح عن جمع التزكيات (وهي 10 نواب أو 10 آلاف مواطن من 10 ولايات) سوف تنحصر المنافسة بين عدد من زعماء الأحزاب السياسية وبعض المستقلين الذين نجحوا في تخطي عقبة التزكية. كما ستلعب التحالفات السياسية المفترضة دورا لا مناص منه في حسم اختيار المتنافسين للدور الثاني.
الدور الاول من الانتخابات الرئاسية يمثل للبعض، شرف المحاولة، وشرف الترشح، في حين يمثل للبعض الآخر، ممن يثقون في شعبيتهم، أو الماكينة الحزبية التي تقف وراءهم، معركة حقيقية يمكن ان تقودهم الى قصر قطاح لمدة خمس سنوات. ولذلك فالحملة الانتخابية عمليا سوف تنحصر بين المرشحين من الحجم الثقيل وهم طبقا لوزنهم الحزبي والدور المتوقع لانصارهم، الباجي قايد السبسي ومنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر ونجيب الشابي وحمة الهمامي وكمال مرجان وعبد الرحيم الزواري.
الحسابات السياسية والتحليلات تذهب مذاهب شتى في توقع مسار التحالفات في السباق الرئاسي، واهمها أن النظام القديم الذي يمثله أكثر من مرشح هنا سيكون في مواجهة اكثر من مرشح أيضا من التيارات السياسية التي تشارك لاول مرة في سباق انتخابي من هذا النوع. ولكن المؤكد في مختلف هذه التحليلات ان نتائج الانتخابات التشريعية سيكون لها دور محوري في ترشيح كفة المتنافسين في الدور الثاني.
النهضة والدور المنتظر
مازال قرار النهضة بعدم ترشيح شخصية من داخلها لخوض سباق الرئاسية يلقي بظلاله على المشهد السياسي، حيث اختلفت التأويلات حوله بين مرحب طبعا، على اعتبار انه يبعث روحا من الاطمئنان في المشهد السياسي، وهذا ما أكده رئيس الحركة أمس خلال ندوة صحفية، وبين متوجس منه، على اعتبار، خوفه من ذهاب كتلة النهضة الانتخابية الى خصم مفترض. كما سيفتح هذا القرار طريق المنافسة امام الأسماء المذكورة وهي تلتفت الى الدور المحتمل للنهضة في حسم السباق، ولكن بخطاب أقل حدة على اعتبار ان الخطاب الهووي والايديولوجي سيغيب خلال الحملة الانتخابية.
النهضة اختارت المراهنة على التشريعية بالدرجة الاولى ولكنها حتما لن تشارك سلبيا في الرئاسية وهذا ما يجعلها مجبرة على دراسة خيارات وبرامج المرشحين ووزنهم الانتخابي بشكل فيه الكثير من الحكمة والبحث عن المصلحة الوطنية. وسيبقى السؤال مطروحا حول أي منهجية ستتبع النهضة في حسم قرارها لصالح احد المترشحين؟ وهل سيكون ذلك من الدور الاول؟ ام ستنتظر ستؤجل ذلك إلى الدور الثاني؟
المرزوقي وبن جعفر والشابي
سيراهن كل من المترشحين الثلاثة على رصيدهم النضالي، بالإضافة إلى أحزابهم السياسية وانصارهم، ومشاركتهم، وخبرتهم السابقة في الحكم والمعارضة. وسيلعب كل واحد منهم ورقة الخطاب والبرنامج وكسب قطاعات واسعة من الشعب، ولكن حتما سيكون الامر صعبا على الزعماء الثلاثة على اعتبار انهم يتنافسون على كتلة انتخابية قريبة من بعضها، أي الكتلة الديمقراطية والوسطية، مما سيجعل أحدهم حتما يحاول الاستفادة من كتلة النهضة الانتخابية او بعضها على الأقلّ والتقرب من قطاعات اخرى نقابية ومهنية وقطاعية ومن بينها اتحاد الشغل. كما سيكون لبرامجهم الانتخابية وأدائهم الاتصالي خلال الحملة أحد العناصر الاضافية لدعم حظوظ احدهم للوصول للدور الثاني. وإذا كان الشابي قد خسر قطاعا واسعا من انصاره الاشهر الأخيرة وينطبق نفس الامر على بن جعفر فإن المرزوقي افتك شعبية لا بأس بها في اوساط شعبية كثيرة رغم محاولات الاعلام الحط من صورته ومهاجمته بشكل متواصل طيلة فترته الرئاسية الحالية.
حمة والباجي والكتلة الدستورية
يدخل الباجي السباق الرئاسي وهو يعول بالدرجة الاولى على قاعدة دستورية، ولكن ينافسه فيها لسوء حظه اكثر من مرشح من بينهم مرجان والزواري والزنايدي وربما كمال النابلي، كما يعول بشكل أقل على نخبة يسارية ونقابية وليبرالية بعضها حتما سيخير الالتفات الى حمة الهمامي او احد المترشحين من أبناء التيار اليساري والاجتماعي الواسع. وفي مثل هذه الحالة اعتقد ان ماكينة النداء سيكون لها دور حاسم في اغراق الساحة السياسية والاعلامية بخطاب فيه الكثير من الوعود والمناورات وربما الانسحابات لتوفير أكبر حظوظ للباجي حتى يصل للدور الثاني. اما عنصر المفاجأة المحتمل والذي يمكن ان يضعف كثيرا من حظوظ الباجي فهو قرار النهضة بترشيح احد منافسيه من الكتلة الدستورية، وفي هذه الحالة يكون صعود الباجي للدور الثاني صعبا جدا.
أما حمة الهمامي فهو سيعول حتما بالدرجة الأولى على أصوات الكتلة الانتخابية للجبهة الشعبية وهو ما يجعل حظوظه في المنافسة صعبة جدا منذ الدور الأول. وهو ما ينطبق أيضا على الهاشمي الحامدي الذي سيعول على بعض انصاره في تيار المحبة أو ممن سيتعاطفون مع خطابه ووعوده الانتخابية.
والجميل والطريف في هذه الانتخابات الرئاسية انها ستكون مشوقة وتاريخية، لانها الاولى في تاريخ تونس المعاصر، ولانها ستؤسس إذا دارت في اجواء حضارية، ونتمنى ذلك، لتجربة تونسية جذابة ومستقرة. ومهما يكن الفائز في ظل هذه المنافسة النزيهة فحتما سيكون رئيسا لكل التونسيين ويعمل بشكل متناسق مع الحكومة التي ستفرزها أيضا انتخابات ديمقراطية وشفافة بدات ملامحها تتوضح يوما بعد يوم.