تعيش بلادنا في لحظة تاريخية فارقة، حيث يمكنها أن تنطلق في تأسيس جمهورية ديمقراطية مستقرة ونامية، أو لا قدر الله تعود أدراجها إلى حظيرة دول الاستبداد والفساد والعائلات المافيوزية ونعيش من جديد ما يشبه تلك الندوب والجروح التي مازال يذكرها الجميع. وفي مثل هذه اللحظات التاريخية الفارقة تحتاج الشعوب الى لحظة عقل، والى فكر هادئ ونخبة سياسية تترفع على صغائر الأمور وتفكر في مستقبل الوطن ومستقبل الأجيال القادمة.
إن التعددية والشفافية التي نشهدها اليوم في الانتخابات الرئاسية، ورغم ما فيها من سلبيات، وما شهدناه من تعددية وتنافس في التشريعية، رغم ما فيها من تجاوزات وهنات، هي اولى تجارب تونس الحديثة في طريقها نحو الديمقراطية، ومن حق كل التونسيين أن يفخروا بها ويعبروا عن خشيتهم من فقدان تلك الأجواء المفعمة بالحرية والحق في التعبير والاحساس بالمواطنة.
لاشكّ ان التهديدات لهذا المسار موجودة وكثيرة، وتستحق ان نقف عندها، وننبه لها، ولكن يجب ان نتفق أولا على أننا نسير في طريق صعبة، ومهمة ويجب ان ننجح فيها، لان الفشل يعني الدمار. ويعني أن مكتسبات الثورة يمكن ان تضيع بين يوم وليلة.
وفي خضم هذا الجدل المتنامي الذي تشهده تونس وهي تعيش اولى تجاربها الانتخابية الديمقراطية تبقى حركة النهضة، التي كابدت كثيرا وعانت من ظلمات الاستبداد وتعرضت الى أبشع انواع التنكيل، تبقى ضمانة أساسية للتوازن والاستقرار ونجاح التجربة السياسية والاقتصادية القادمة.
فحركة النهضة وهي تمارس الحق في التنظم والمشاركة السياسية تنطلق من تجربة طويلة تصل الى 40 سنة، كما تنطلق من تجارب ودروس كثيرة في وطننا العربي والاسلامي، تجعلها اكثر رشدا ومسؤولية. ويزيدها رسوخا في تلك الطريق المسؤولة وجود قيادات فكرية وسياسية لها تجربة ووضوح رؤية فكرية بعد نظر مثل الشيخ راشد الغنوشي. كما اكسبتها تجربة المشاركة في الحكم لفترة قصيرة خبرة جديدة تجعلها اكثر نضجا واطلاعا على أكثر تفاصيل صعوبات المجتمع والدولة التونسية.
ومن هذا المنطلق ونظرا لما خبره المجتمع السياسي من خطاب حركة النهضة الوفاقي والمطمئن والمسؤول، ولأن حركة النهضة اليوم تمثل وزنا شعبيا مهما في مشهد سياسي مازال قيد التشكل، ولأنها ستكون الكتلة الأكثر تماسكا وانضباطا في مجلس نواب الشعب، ولان علاقاتها بالأحزاب والتيارات السياسية داخل تونس وخارجها متين، وساهمت مساهمة جبارة في نحت صورة رائعة على تونس الثورة فهي أهم ضمانة لتونس الغد ولاستقرارها وتوازنها. فحركة النهضة اليوم هي احد أركان المشهد السياسي والمجتمعي، بل هي الضمانة الأساسية لمجتمع متوازن لا يتغول فيه طرف على آخر، ولا تنتهك فيه الحريات، ولا تضرب فيه هوية البلد ودينها ولغتها، وعلى مختلف الجهات الشريكة في الوطن ان تدرك عميق الادراك ان النهضة حركة تحمل بذرة خير لتونس ومستقبلها وان المستقبل لا يبنى سليما إلا بتوافقات مصيرية وحتمية بين مكونات المجتمع خاصة إذا كان قد خرج للتو من تجربة استبداد بغيضة.