اشرأبت الأعناق في جميع انحاء العالم أمس لمتابعة حفل تسلم الرباعي التونسي الراعي للحوار الوطني جائزة نوبل للسلام لسنة 2015، في قاعة سيتي هول بمبنى بلدية أوسلو، وبحضور الملك النرويجي وجمع غفير من السياسيين والحقوقيين والمثقفين.
الحفل والكلمات والمشاعر وملامح الوجوه كانت كلها تشير الى الافتخار بتونس والامل في أن يحقق استثناؤها نجاحا على نجاح. كان جميع الضيوف وكل الشهادات من قارات العالم الخمس تؤكد ان تونس تحصلت على تكريم عالمي في يوم تاريخي مشهود سوف يكون له جميل الأثر في المستقبل على تجربة شعب حطم أسطورة الاستبداد وهو ينحت اليوم باصرار تجربة فريدة رغم الصعوبات التي تواجهها.
رئيسة اللجنة، كاسي كولمان، قالت خلال مراسم التتويج، إن “الجائزة منحت للرباعي لمساهمتهم الفعالة في إرساء الديمقراطية في تونس، ولأنها عملت على وضع منبر إضافي للسلام، بالرغم مما يشهده العالم من حروب”. وقالت بأن تونس كانت قاب قوسين أو أدنى من الحرب الأهلية، ونجت من ويلاتها. ووضعت مدونة حقوق متكاملة للتونسيين بعيدا عن أي تمييز، وهو إنجاز جدير بالإعجاب وجدير بجائزة نوبل”.
حوار اسلامي علماني ممكن
وقالت كولمان إن هناك اليوم لاجئين يهربون من ويلات الحرب والتشريد في بلدان الشرق الأوسط، ولو فعل الجميع ما فعلته تونس من إرساء للحوار، لكان عدد اللاجئين أقل بكثير.
وشددت على أن تونس أظهرت للعالم أن الحركات الإسلامية والعلمانية يمكنها أن تتفاوض معاً، من أجل مصلحة البلاد.
وأضافت أن “هناك قوة ظلام لا تتمنى النجاح لتونس، وترى في الديمقراطية وحرية المرأة في بلد مسلم، هو تونس، يتعارض مع عقليتها المتطرفة وهي تحديات حقيقية لتونس، والمعارك الإيديولوجية لا يمكنها أن تحل وحدها هذه التحديات، ولكن هناك ضرورة لإصلاحات اقتصادية لدعم هذا النجاح”.
وأشارت إلى أن الحزبين العلماني والإسلامي تفاوضا وتوصلا إلى حلول لمصلحة تونس، برغم الخلافات الكبيرة التي كانت موجودة بينهما، وقالت: “لمن يدعي أن الإسلام لا يلتقي مع الديمقراطية، وأن الأحزاب الإسلامية لا تلتقي مع الأحزاب العلمانية، فلينظروا إلى تونس”.
وقالت إن الصورة المرافقة لجائزة هذا العام تصور الفتى الذي يرمز للمستقبل المجهول، الذي يواجهه الشباب والأطفال اليوم، لأنها تذكرنا بالتزاماتنا تجاه الأجيال القادمة.
من الاستقطاب إلى الحوار
وفي كلمة واحدة، تداول الرباعي على إلقاء فقراتها، قال الأمين العام لاتحاد الشغل السيد حسين العباسي،: “إننا في حاجة اليوم إلى حوار بين الحضارات، وجعل مقاومة الاٍرهاب أولوية مطلقة، وفي حاجة إلى القضاء على بؤر التوتر في كل أنحاء العالم، وفي حاجة إلى منح حقوق الشعب الفلسطيني ومنحه دولته المستقلة وإنهاء معاناته”. وقال العباسي بأن جملة “الشعب يريد” التي ابتكرها التونسيون ابان ثورتهم، أصبحت الجملة الملهمة للشعوب لوضع حد للاستبداد والقهر.
من جهته، أكد محمد فاضل محفوظ، عميد المحامين، أن البداية التونسية كانت مثيرة للإحباط، دفعت إلى الحيرة والمخاوف، ودفعت إلى الاستقطاب السياسي والاغتيالات السياسية، وبعد حالة من تعطل المؤسسات والاحتجاجات جاءت مبادرة الرباعي لجمع الفرقاء حول طاولة حوار واحدة، وضعت خارطة طريق محددة.
وتحدث عبد الستار بن موسى، رئيس رابطة حقوق الإنسان، عن عمل الرباعي وتفاصيل قصة الحوار التي تعهد بها الرباعي، مشيرا إلى أن العملية لم تكن سهلة على الإطلاق، موجها تحية خاصة إلى المرأة التونسية المناضلة، التي كان إسهامها كبيرا في عملية الانتقال.
صورة رمزية
أما وداد بوشماوي، رئيسة منظمة رجال الأعمال، فتحدثت لافتة إلى الفخر الذي تلقاه تجربة الحوار التونسية من تعاطف دولي غير مسبوق، ” وهو ما يحملنا مسؤولية إنجاح التجربة لتكون قدوة للشعوب الأخرى للسير على نفس المنهج”.
رمزية كبيرة سجلتها تونس أمام عدسات العالم من خلال هذه الجائزة، فهي البلد الصغير، والشعب المسالم الذي تحدى الظلم، وهي النخبة التي رغم صراعاتها نجحت في الاتكاء على الحوار والوفاق فتجاوزت مصير الكثير من التجارب الأخرى التي سقطت في الفتن والحروب المدمرة.
إن هذه الرمزية التي التصقت اليوم بتونس الحديثة يجب أن نستغلها أيما استغلال من اجل نحت مستقبل أفضل، كما يجب ان نحول جائزة نوبل للسلام الى حافز ودافع لمزيد ترسيخ الديمقراطية والتوافق والعمل الدؤوب من اجل الوطن ومن اجل السلام في العالم.