محمد ضيف الله
من أشياء تحدث صدفة وبتلقائية تتولد الأفكار، ومن هذا المنطلق تجمّع مجموعة من شباب تونس على فكرة التضامن والوقوف مع تلاميذ المناطق الداخلية الريفية المهمشة والمفقرة والمنسية.
القصة بدأت عندما جمع المعلم بمدرسة “كاف نسور” “وسيم السباعي” تلاميذه ليكرم النجيب فيهم، وعندما سأله عن أمنيته وحلمه أجاب التلميذ بكل عفوية أتمنى وأحلم أن آكل “كعبة ياغرت”.
وسيم حدّث بألم صديقا له بالحادثة، ومن ذلك الصديق تحوّلت مصادفة إلى جلسة في مقهى لمجموعة من الشباب التونسي الناشط وسط العاصمة الذين أوجعتهم تلك الأمنية البسيطة جدا، وراودتهم الأفكار، وقرروا أن يصلوا إليه ويحققوا حلمهم.
من “كعبة ياغرت” للمتميّز إلى ملابس شتوية لكل التلاميذ:
جلس الرفاق، وحوّلوا الفكرة إلى موضوع للدرس، وتوسعوا فيه في مواقع التواصل الاجتماعي عبر صفحاتهم، ووسعوا المجموعة، فتطورت الفكرة من “كعبة ياغرت” إلى إكساء هؤلاء التلاميذ المفقّرين وإسعافهم من برد الشتاء.
بدأ العمل، وقسموا الأدوار، ووزعوا المهام، و”شدوا الهمّة “عازمين على بث الفرحة وإيصال الدفء إلى قلوب هؤلاء المنسيين في أرياف غار الدماء.
بعض المشرفين على الحملة يتحدثون للفجر
تحدثت الفجر إلى بعض هؤلاء الشباب المشرفين على هذه الفكرة، فقال أنيس المناعي، وهو أحد المبادرين بالفكرة إن حلم ذلك التلميذ بعث فيه ألما شديدا، فأمنية أنجب تلميذ في مدرسة ريفية “كعبة ياغرت” لا يتجاوز ثمنها 250 مي، حادثة تربك وتوجع فعلا، وأضاف أنيس لما سمعنا القصة من صديق تناقشنا فيها بألم وقلنا ماذا لو نتنازل عن ثمن علبة السيجارة والقهوة لمدة من أجل حلم تلميذ، ووضعنا شعار “بحق هاذم …نشري صباط لهذا” واتفقنا على أن نسعى إلى الوصول إلى تلك المدرسة وإلى ذلك التلميذ وزملائه لنحقق حلمه البسيط ونشاركه الفرحة به.
في حين قال الناشط أحمد الدريدي: بعد أن اتفاقنا وسعنا الفكرة بين أصدقائنا ونشرناها على شبكات التواصل، وكان التفاعل متوسطا وجيدا، وتوجهنا مباشرة للتنفيذ، وتجندنا للعمل على تحقيق ما رسمناه، وجمعنا بعض المساهمات، واقتنينا المستلزمات.
وأضاف أحمد بما أن تلك المناطق معروفة بشدة البرد قررنا أن نركز على لباس شتوي يقي هؤلاء التلاميذ من البرد والأمطار وتوفير “لبسة كاملة متكاملة” لكل تلميذ، وقد عنونا الحملة بـ “دفي 100 صغير”
ورافقت الفجر أحمد ووفاء الزغواني في بعض عملية الشراء يوم الأربعاء، وأكدا أنهما يخرجان من الثامنة صباحا ويقضيان يومهما بين محلات الملابس يتخيّران ما يحتاجونه بعد أن نسقوا مع أحد المعلمين بالمدرسة في تحديد أحجام وأرقام التلاميذ.
وقالت وفاء إنهم وفروا إلى الآن أكثر من 150 “لبسة” تتكون من ( حذاء وسروال ومعطف وقميص صوف و”كشكول” وغطاء رأس ).
وأضافت وفاء إنهم سيسعون إلى توفير أكثر ما يمكن من الملابس إلى يوم الأحد موعد الرحلة.
موعد الرحلة ومقصدها:
يشارك في الرحلة مجموعة من الشباب الناشطين في المجتمع المدني وبعض المتطوعين الذين أرادوا أن يحتضنوا هؤلاء التلاميذ. وتنطلق هذه الرحلة على متن حافلة من وسط العاصمة في اتجاه المدرسة الابتدائية بمنطقة “كاف النسور” من معتمدية غار الدماء من ولاية جندوبة.
إذا ما نستخلصه من هذه الحملة أو الحركة النبيلة الطيبة لهذه المجموعة الشبابية هو أن الشعب التونسي لحمة واحدة متعاطف، متآزر، يحنّ بعضه إلى بعض، ونستخلص أيضا أن شباب تونس واع ومثقف وناشط ويحب بلاده، ويسعى لخدمة هذا الوطن متى توفرت له الأرضية وسمحت الظروف.
أيضا لا بد من أن نشير إلى الوضع الذي تعيشه المناطق الداخلية والأرياف التونسية من نسيان وتهميش وفقر مدقع ومعاناة في كل الفصول، وخاصة في فصل الشتاء حيث الأمطار والثلوج، فلماذا لا نرى الدولة تتحرك قبل كل شتاء لتمكين هؤلاء المواطنين مما يقيهم البرد ويوفر لهم أبسط الظروف للتنقل إلى مدارسهم ؟ ولماذا بقيت تلك المناطق كما هي على مرّ العقود؟ ثم ألا يحق لهم كمواطنين أن يتمتعوا بما يناله بقية المواطنين؟؟