محمد فوراتي
وثيقة التعاقد الحكومي التي وقّعت عليها أحزاب الحزام السياسي للحكومة الجديدة مبادرة مهمة وتؤشر لوعي جديد وادراك لحجم التحديات التي ستواجه تونس خلال المرحلة الجديدة. ولكن وجود وثيقة تعاقد حكومي ليس أمرا كافيا في حدّ ذاته وان كان جميلا، فالشعب التونسي تعوّد منذ تسع سنوات على الوعود والمبادرات والشعارات الكثيرة التي لم تتحوّل الى واقع ملموس. كما ذهبت الكثير من المخططات والنوايا الحسنة أدراج الرياح ولم نحوّل منها شيئا الى منجزات. لقد تركت الطبقة السياسية انطباعا سيئا لدى الرأي العام بأنها تتكلم أكثر مما تفعل، وأن شعارات الثورة لم نحقق منها شيئا باستثناء الحريات والاحتكام للصندوق، ومع أهميتها فهي لا تكفي لإطعام شعب ولا لتحقيق مطالبه في التنمية والكرامة.
بنود الوثيقة تزرع الأمل فعلا في القدرة على الإنجاز ولكن قد تكون في حاجة الى مفاتيح عمل ضرورية بدونها ستضيع الحكومة في التفاصيل والعراقيل وتكثير الخلافات بين مكوناتها وهذا خطر وخطأ فظيع في هذه المرحلة من عمر الثورة.
في اعتقادي على الحكومة أن تستحضر وهي تبدأ عملها بعد المصادقة عليها من البرلمان هذه المبادئ الأساسية بالإضافة الى ما ورد في وثيقة التعاقد وهي: المنهج – الوضوح – التقشف – المراقبة – المحاسبة
المنهج: فمن أولى علامات النجاح أن تكون للحكومة منهجية عمل واضحة وسهلة تركز على الأولويات وتربط بيسر بين وزاراتها ومصالحها المختلفة بشكل يحقق الفاعلية مع التخطيط الجيد لكل خطواتها في الإصلاح والانجاز فبدون تخطيط محكم لا يمكن تحقيق المطلوب.
الوضوح: لابدّ من وجود وضوح تام في أولويات الحكومة وطرق عملها وأن تبدأ بالقطاعات والقضايا الأكثر التصاقا بهموم الناس اليومية وتلك التي يمكنها تحقيق مردود سريع مثل الفسفاط وضرب بعض معاقل الفساد بسرعة واستعادة نسق الانتاج والتصدير في عدد من القطاعات الأخرى بالإضافة الى اتخاذ إجراءات ملموسة في قطاعات النقل والصحة والتعليم.
التقشف: على الحكومة الجديدة أن تحرص على ذهاب الأموال المرصودة في اتجاهها الصحيح وان تتخذ إجراءات سريعة في التقشف ويبدأ ذلك خاصة في الوزارات والإدارات العمومية (سيارات وبنزين وامتيازات). مع التفكير في التقليص من ميزانيات بعض المصالح وتحويلها الى مصالح أو قطاعات أخرى ذات فاعلية أكبر، وهو أمر سيحقق سيولة مهمة للدولة لتشارك في الاستثمار والإصلاح كما يعطي انطباعا لعموم الناس أن التضحية المطلوبة من أجل الإقلاع الاقتصادي تشمل الجميع وليس الفقراء فقط.
المراقبة: كل خطوات الإنجاز والإصلاح التي ستقوم بها الحكومة لن تكون ذات جدوى بدون مراقبة صارمة تغلق كل منافذ التلاعب والغش والسرقة والتهاون وهو مرض عضال انتشر في مختلف الإدارات والقطاعات ويعتبر أحد أهم مداخل الفساد. فالمال “السايب يعلّم السرقة” واختفاء المراقبة يشجع على كل أنواع التلاعب التي تدمّر الاقتصاد الوطني.
المحاسبة: بعد المراقبة تأتي المحاسبة فالتسامح مع كل متهاون أو فاسد أو متلاعب بالمال العام يشيع روحا من عدم احترام الدولة واختفاء هيبتها فيتجرّأ عليها الجميع وخاصة أصحاب المصالح واللوبيات وكبار الفسدة. والمحاسبة يجب أن تشمل الجميع فمن ينجح نشجّعه ونُشيد به ومن يفشل نغيّره بغيره من الكفاءات ومن يُفسد نحاكمه ونشّهر به.
ومتى توفرت الإرادة الحقيقية سنرى سرعة في تغيّر حالنا الى الأفضل بشكل ملموس وسريع. وهذه الحكومة ستكون أمام اختبار سهل وسريع فإما أن تنجح في ظرف أشهر في التقدم خطوات الى الأمام مع الاقناع بذلك وإما أن تكون مُجبرة على المغادرة مع ما يعنيه ذلك من احباط جديد لهذا الشعب لا نتمناه.