1) رمضان.. يحرّك الدُّولاب !
تعبير شعبي واقعي ، صادق وبليغ ..بمعنى أنه موسم الحراك الاقتصادي الذي يُحفّل
السوق ويحفّز على التبضّع ، وأنه ينشّط العلاقات الاجتماعية ،فيرمّم ما تقطّع وتهدّم
من تواصل بين الأهل ويرْوي ما يبس وجفّ من مودة بين الأقارب .حيث يوصَل
فيه ما أمر الله به أن يوصل ،وهو ما يدخل في تأويل معنى البركة التي يختص بها
الشهر الكريم
وكما الربيع في الفصول ، يبعث بعض الحيوانات والحشرات من سباتها الشتوي
لتستأنف حراكها وتمارس حياتها من جديد ، كذلك – سيدي رمضان – في الشهور،
يبعث القلوب من سبات الغفلة ويحفز الهمَم من وهَن الكسل وينشّط الجيوب من
قبضة البخل .. ليتجدّد العهد مع المحراب والسوق: تشوّقا وتسَوّقا .
فلا احد ينكر مدى الفرح الشعبي وصدق تعلقه الفطري– على سذاجته – بالشهر الكريم
رمضان.
2) ولهذا، آباؤنا الأمّيون وقّروه من بين الشهور، فأضفوا عليه لقب السيد، فلا يذكرونه إلا
بسيدي رمضان ..لا يعصون أمره ولا يتعدون نهيه ..ولا يتهمونه بشيء ، ومن هنا نفهم
لماذا كثير من عجائزنا و"شوابينا" تراه يفضل الموت على أن يأخذ برخصة إفطار يوم
من رمضان لمرض أو عجز أو سفر، مما يفسر مدى حرجهم وحيائهم وخجلهم وتوقيرهم
"للسيد " على خلاف ما يعامله به للأسف – في أيامنا هذه – المنتسبون زورا وبهتانا
للحداثة والعلمانية واليسار ،من وقاحة وسوء أدب .
3) وحتى لا نبخس الناس أشياءهم ولا نظلم الرمضانيين، نستطيع أن نقول كما قال
صاحب ليلى: كُلٌّ يدّعي وصْلا بليلى / برمضان..ورمضان يقرّ لهم بذلك .. ولكن على
معنى الآية الكريم " قل كلّ يعمل على شاكلته ":
ففريق فرحت بمقدمه، بطونهم، تصنيفا ومضغا وهضما ،على حد تعبير الشاعر عبد
الرحمان الجزيري في سخريته الشعرية الرمضانية :
" فرحت بمقدمه بطون الناس ***شهر تحنّ لذكره أضراسي
وفريق فرحت بمقدمه، دكاكينهم، تسوّقا ، بيعا وشراء، ففي سوق رمضان كل شيء
تستطيع عرضه وتسويقه حتى ولو كان في غير فصله (خضر وغلال )، وتجد له
زبائن ومريدين .
وفريق فرحت بمقدمه أكفّهم، تسوّلا وإلحافا : حيث تنشط فيه حركة الأيدي المتسولة
الممدودة مستغلة رقة القلوب الصائمة وجُود وكرم الصائمين
2
وفريق فرحت بمقدمه أذواقهن ، تصنيفا ، طبخا وإعدادا : فكل نسائنا على اختلاف
مستواهن الاجتماعي والثقافي والمادي يحرصن على إظهار مهارتهن الذوقية في
تزيين مائدة رمضان بشتى الألوان مما لذ وطاب، مضغا وشربا ..وهو موسم تستغله
كثير من ربات البيوت لتجديد طواقم الكوجينة وتنويع الماعون ، شعارهن في ذلك
في وجه الزوج المطالب بالدفع :"الغاية تبرر الوسيلة ".. التصنيف الجيد يتطلب
ماعون جديد وجيد .
وفريق استبشرت به أرواحهم و قلوبهم، تلاوة وتعبدا ، ذكرا وصلاة :فليس شهر
يفتح فيه المصحف ويتلى فيه القرآن وتفيض فيه الجوامع بالمصلين تراويحا وتهجّدا
وصلاة يومية واعتكافا .. كمثل شهر رمضان.
4) وكما العربية تنفرد من بين لغات العالم بحرف "الضاد" كذلك رمضان ينفرد عن
شهور العام بضادّه الخاصة التي لا يشاركه فيه احد من زملائه الشهور، وضادّه
هي – ليلة القدر- التي هي بصمته التي لا يوقّع بها غيره من شهور العام والتي يود
كل مريديه لو يظفر بها ولو مرة. (وسيأتي الحديث عنها في إبانها ان شاء الله )
عبد القادر عبار