لرمضان في زماننا ، مع العجائز والغلمان وبعض المثقفين، مواقف طريفة ، وأخرى شاذة ومؤسفة
1) بعض صبياننا لا تعوزهم عبقرية الحِيَل والتحايل في تبريرهم تشطير أيام صومهم التي يشاركون يها العائلة في صيام الشهر الكريم، فقد عجبت أم العيال مرة من تحايل حفيدنا على سيدي رمضان وهو الذي لم يتجاوز من العمر 10 سنوات . أرادت ذات صباح إتحافه بلمجة شهية قبل إن يذهب إلى المدرسة فاخبرها بأنه صائم فشجعته و باركت مبادرته ولكن بعد رجوعه من المدرسة مع الزوال رأته يقضم موزة فظنته قد سَهَا عن صومه فلما ذكّرته
أخبرها بأنه اكتفى اليوم بصيام النصف الأول من النهار..وفي يوم آخر سيصوم نصف نهار آخر ويخيط النصفين ليكتمل النصاب ..ضحكت أم العيال من تحايل الغلام ولم تعاتب ولم توبخ .
أما رمضان، فيعجب من بعض أصناف من مريديه:عجائز وأميّين ، أفرطوا في تقديره وبالغوا في توقيره ، ويعجب من آخرين : فتيان ومثقفين ،ما قدروه حق قدره، ولم يرجوا له وقارا، فاستباحوا نهاره وتحدوا شعاره .
2)يعجب رمضان من بقايا عجائز عندنا ،أمّيات دينيّا وثقافيّا ، من جيل الأمهات والجدات ، المسلمات على الفطرة والمتدينات على العرف، قد تبلغ إحداهن من الكبر عتيّا حتى يهن العظم منها ويشتعل الرأس شيبا ..وتلازمها بعض الأمراض المزمنة كالسكري والضغط..ورغم أن رب رمضان قد رخص لها بالإفطار ورفع عنها الحرج وأمرها بعدم الصيام من أجل الصحة والعافية إلا أنها ترى في إفطارها عيبا اجتماعيا وجرْما إيمانيا بحق رمضان،
شعارها وحجتها في ذلك : " كِيفْ نفْطُرْ وعِينِي تَشْبَحْ" أي كيف آكل واشرب في نهار رمضان وأنا فوق الأرض حية أرزق ، أسمع وأرى ؟..لا ينبغي لي أن أفطر مهما كان عجزي واشتد مرضي ..وترمي بكل الفتاوى المنادية بالرخصة عرض الحائط سمّها سذاجة إيمانية أو إيمانا ساذجا ، أو تشددا في غير محله ، قد يأثم صاحبه ، وتجاوزا للسنة ، ولكنها تترجم ما يندرج فيما يسمّى بإيمان العجائز وعلاقتهن الحميمة بسيدي رمضان
كما ينادينه وتوقيرهن لفريضته واحترامهن لطقوس نهاره .
3) في المقابل، يعجب رمضان من ظاهرة خطيرة ، أخذت تنمو وتمتد عاما بعد عام ، قوامها شباب وفتيان ،مثقفون ومفكرون ، طلبة وأكاديميون ، ينتمون إلى خريطتنا، وهم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، لا يشكون من علة ، ولا يرهقهم مرض ولا عجز ، ولكن صبَغَتْهم العولمة بمزاجها ، وأصابت منهم الايدولوجيا ، فأخذتهم العزة بالحرية الشخصية والحداثة والعلمانية، فتواصَوْا بخرق كل مقدس من الدين ،وتنادوا بحرية الجهر بالإفطار وتنافسوا في تحطيم قدسية نهار رمضان ، لا يراعون في ذلك عُرفا ،ولا يحترمون ذوقا.
وقد غاب عن هؤلاء وأمثالهم أنه لن يضرّ أحدٌ رمضان مهما فسق وعصى ،لأن رمضان محسوب على الله وكل محسوب على الله فهو مدعوم ومنصور ، ولن ينال أحدٌ من هيبته ولا قيمته ، فمقامه راسخ، ثابت في قلوب المؤمنين ، و هلاله لن يتخلف عن الظهر كل عام مهما غيّمت السماء . كما لا يملك أحد إلغاء أو شطب موقعه من روزنامة الشهور ، وقديما
قالت العرب : "على نفسها ،جنت براقش" ..والأحمق لا يضر إلا نفسه .
عبد القادر عبار