– هذا الذي حرّك ميْتا ثم تركه خلفه والتحق بالصف وكبّر للصلاة ، بأي خشوع واصل صلاته ، ؟.. أي مؤمن هذا الذي ، فواتُ ركعة عنده ،هي أثمن وأقدس من إنقاذ حياة إنسان ؟ و أن يلتحق بالصف، في نظره هو أولى من إسعاف محتضر؟
– أين توقير الحياة ؟؟.متى نتعلم توقير الحياة ؟؟ ليتنا نمارس توقير الحياة ؟
– 1) توقير الحياة ،حياة الإنسان خاصة ، واجب إيماني و سُلوك حضاري ، نفتقر إليه ونتغاضى عن التحلّي والتعامل به . فعدم التوقير أصبح ظاهرة مؤسفة منتشرة، تسود كل شيء تقريبا في ثقافتنا الاجتماعية وهي تشكل خطرا يهدّد سلمنا الاجتماعي.
– هناك صيغ معروفة من التوقير الاجتماعي الذي نمارسه كتوقير العلماء، وتوقير الصغير للكبير وتوقير حافظ القران ..ولكن توقير الحياة الذي نعنيه هو أشمل وأعمق وأوسع من كل ذلك.
– التوقير هو أكثر من مجرد محبة باهتة ، وهو أصدق من تحية عابرة ،وأبعد من خجل ظرفي. التوقير هو موقف يحث عليه الدين وتدعو إليه الحضارة وهو ذلك الاحترام العميق والواعي لحياة الآخر. فكلما تحلّينا بموقف فيه توقير لحياة كل إنسان، إلا وامتلأت قلوبنا رأفة وتسامحا وإيثارا ومحبة.وتراحما ورحمة ورقة وصلحت الحياة الاجتماعية وراقت .
– 2وكورونا ،هذا الوباء الطارئ ، الذي دمّر الحياة ونغّص على الناس حياتهم وضيّق عليهم معاشهم ، قد كشفت عن جهلنا لمفهوم توقير الحياة وتقصيرنا في تفعيله .
– من ذلك ما تفضحه اللامبالاة التي نراها في مواقف السياسيين وفي تصرف المواطنين، تجاه الموت اليومي والاغتيال الصامت ،الذي تقترفه كورونا ، والإصابات الرهيبة بالوباء والمتصاعدة بجنون ،حيث بلغ العدد الجملي للوفيات في تونس حسب وزارة الصحة منذ ظهور الوباء إلى حدود يوم 6 جويلية : 15 ألف و735 حالة
– كل يوم نفاجأ بأرقام قياسية تتحطم ، في الوفيات والإصابات .. وكأنه “لا مِنْ شَافْ ولا من درِي” كما يقول المثل . فالدولة “عاملة وذْن عروس” كما يقال . والمواطن كذلك . الوباء يفتك بالحياة ويغتال الأحياء ،منتشيا بانتصاراته ، وموسّعا غزواته التي لم تجد مقاومة ولا ردعا، منتهزا استهتار المواطن ولا مبالاة السلطة .
– هذه اللامبالاة المؤسفة حقا ، ذكرتني بمشهد كنت فيه حاضرا وشاهدا.حصل بأحد جوامع مدينتنا قبل أكثر من 25 عاما رأيت فيه جهلا واضحا ، وغير بريء ، بتوقير الحياة :
– 3) في يوم صيفي أقيمت صلاة الظهر فاصطففنا خلف الإمام الراتب صفين ونصف تقريبا .كنت في الصف الأول على يسار الإمام .ركعنا الركعة الأولى وفي منتصف الركعة الثانية سمعنا صوت ارتطام قوي بالحصير خلفنا ،أعقبه صوت شخير مفزع ، وهو في نظري مما يستدعي من الإمام أن يخفف أو يقطع الصلاة لتجلّي الأمر ..لأن الخشوع قد ارتفع من الجميع ولكن الإمام رحمه الله وغفر له واصل وكأن شيئا لم يحصل و ما إن سلم الإمام حتى هرعنا جميعنا فإذا بجثة احد المصلين ممددة في الصف الثالث .عرفه الجميع. قال احدهم :سبحان الله لقد تركته قبل الصلاة في السوق يبيع الفصّة وقال شاهد: لقد جئت من الميضة وانتم تصلون فوجدته قد سقط .. فحركته فلم يتحرك . فقلت قد مات ..فتركته والتحقت بالصف حتى لا تفوتني الركعة ؟؟
– والله لقد رجعت يومها إلى البيت وأنا في حيرة شديدة من أمر هؤلاء الذين لا يوقرون الحياة ، يموت بينهم إنسان وكأنه مجرد حجر سقط في بركة ،أحدث صوتا ثم انتهى. وكانت الأسئلة تغلي وتفور بداخلي
(عبدالقادر عبار)
–